responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 8

فأشرقت أقطار الملكوت بين أيديهم بنور ربها، فأدركوا الأمور كما هي عليه؛ فقيل لهم: تأدبوا بآداب اللّه و اسكتوا، و إذا ذكر القدر فأمسكوا! فلذلك أمسك عمر لما سئل عن القدر، فقال للسائل: بحر عميق لا تلجه؛ و لما كرر السؤال قال: طريق مظلم لا تسلكه؛ و لما كرر ثالثا قال: سر اللّه قد خفي عليك فلا تفتشه. و من أراد معرفة أسرار الملكوت فليلازم بابهم بالمحبة و الإخلاص و الصدق و الإعراض عن عدائهم، و الامتثال بأوامرهم و السعي فيما يرضيهم، و كذلك من أحب معرفة أسرار الربوبية، فليلازم باب اللّه عز و جل بالمحبة، و الإخلاص، و الصدق و التعظيم، و الحياء و الامتثال بالأوامر، و الانتهاء عن المعاصي، و المجاهدة و الإقبال بكنه الهمة، و التعرض لنفحاته لقوله- عليه السلام- «إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرّضوا لها» و السعي فيما يرضي و إن لم يطق ذلك فعليه أن يعتقد في هذا البحث ما عليه أبو حنيفة- رحمه اللّه- و أصحابه، حيث قالوا: إحداث الاستطاعة في العبد فعل اللّه، و استعمال الاستطاعة المحدثة فعل العبد حقيقة لا مجازا. و القدرية أنكروا قضاء اللّه و رأوا الخير و الشر من أنفسهم.

أرادوا بذلك تنزيه اللّه عن الظلم و فعل القبيح، و لكنهم ضلوا إذ نسبوا العجز إلى اللّه تعالى في ضمن ذلك، و لم يدروا. و الجبرية اعتمدوا على القضاء، و رأوا الخير و الشر من اللّه، و لم يروا من أنفسهم فعلا، كما لم يروا من الجمادات؛ أرادوا بذلك تنزيه اللّه تعالى عن العجز فضلّوا، إذ نسبوا الظلم إليه تعالى في ضمن ذلك؛ و أضلوا سفهاءهم، فكانوا يعصون اللّه و ينسبون إلى اللّه، و يبرءون أنفسهم عن الذم و اللوم كالشيطان حيث‌ قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ‌ [الأعراف: 16].

فالحاصل أن القدرية أثبتوا الاختيار الكلي للعبد في جميع أفعال العباد، و أنكروا قضاء اللّه تعالى و قدره بالكلية في الأفعال الاختيارية. و الجبرية نفوا الاختيار بالكلية في أفعال العباد، و اعتمدوا على القضاء و القدر؛ فينبغي للباحث معهم أن يضربهم، و يمزق ثيابهم و عمائمهم و يخدش وجوههم، و ينتف أشعارهم و شواربهم و لحاهم، و يعتذر بما اعتذر هؤلاء السفهاء في سائر أفعالهم القبيحة الصادرة منهم. و المعتزلة أضافوا الشر فقط إلى أنفسهم، و أثبتوا لأنفسهم الاختيار الكلي تحرزا عن نسبة القبح و الظلم إلى اللّه، و لكن نسبوا إلى اللّه العجز في ضمن ذلك و لم يدروا، فتعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

و أما أهل السنة و الجماعة، فتوسطوا بينهم، فلم ينفوا الاختيار عن أنفسهم‌

نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 8
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست