responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 184

و ندامة! فإذا قالت نفسك ما ذا أعمل و كيف أجتهد؟ فتقول: اتركي ما يفارقك بالموت، و الزمي بدّك اللّازم و هو اللّه تعالى، و اطلبي الأنس بذكره.

فإذا قالت: فكيف أترك الدنيا؟ فقد استحكمت علائقها في قلبي فتقول: أقبلي على قطع علائقها من باطن القلب، كما أعلمناك في الأصول العشرة من المهلكات.

ففتشي عن أغلب علاقة من علائقها من حب مال أو جاه أو حسب أو عداوة أو شهوة بطن أو فرج أو غير ذلك من المهلكات. فليس إلا أن يتفكر في عظم آفاتها و إهلاكها إياك، فتنبعث لمجاهدتها و مخالفة مقتضاها، فقد تخلصت منها و أيدك اللّه بتوفيقه و معونته.

فقدّري أنك مريضة العمر مدة الحياة، و قد أنبأك طبيب تظنين صدقه أن ملاذّ الأطعمة تضرك، و أن الأدوية البشعة تنفعك، أ لست تتصبّرين بقوله على مرارة الدواء طمعا في الشفاء؟ أ لست تتصبّرين على الكدّ و التّعب في السفر الطويل طمعا في الاستراحة في المنزل و أنت مسافرة و منزلك الآخرة؟ و المسافر لا يستريح و يتحمل التعب و الكدّ، فإن استراح انقطع في الطريق و هلك.

و يقول يا نفس: ما الذي تطلبين من الدنيا إن طلبت المال و وجدته، و هيهات، فتكون في اليهود جماعة أغنى منك. و إن طلبت الجاه و نلت، و هيهات، فيكون في أجلاف الأتراك و حمقى الأكراد من يستولي عليك، و يكون جاهه أعظم من جاهك. فإن كنت لا تدركين آفة الدنيا و شدة عذابها في الآخرة و بلائها، أ فلا تترفعين عنها لخسة شركائها؟ أ ما تعلمين أنك لو أعرضت عن الدنيا، و أقبلت على الآخرة، كنت وحيد الدهر فريد العصر لا يوجد في الأقاليم نظيرك؟ و إن طلبت الدنيا كان في اليهود و الحمقى من سبقك بها؛ فأفّ لدنيا سبقك بها حمير! فتفكري يا نفس، و انظري لنفسك، فلا ينظر لك أحد غيرك.

و كذلك لا تزال تناظر نفسك حتى تطاوعك على سلوك الصراط المستقيم إلى اللّه تعالى. فهذه المناظرة أهم لك- إن كنت عاقلا- من مناظرة الحنفية و الشفعوية و المعتزلة و غيرهم. فلم تعاديهم و تجادلهم و لا يضرّك خطؤهم و لا خطأ غيرهم، و لا هم يقبلون منك و لا أنت تقبل منهم الصواب، و إن صار أظهر من الشمس، و تترك أعدى عدوّك بين جنبيك لا تنازعه و لا تناظره، بل تساعده على ما يطالبك به من شهواته الباطلة الباطنة، فتستنبط بالفكر الدقيق الحيل لقضاء الشهوة! هل هذا إلّا عين الانعكاس و الانتكاس‌

نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 184
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست