responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 174

[فصل فى العذاب الآخرة]

و أما مطالبتك إياي بتفصيل عذاب الآخرة، و ذكر أصنافه، فلا تطمع بالتفصيل، فذلك داعية إلى الملال و التطويل، و اقنع بذكر الأصناف؛ فقد ظهر لي بالمشاهدة ظهورا أوضح من العيان، أن أصناف عذاب الآخرة ثلاثة: أعني الروحاني منها حرمة المشتهيات، و خزي خجلة المفضحات، و حسرة فوات المحبوبات. فهذه ثلاثة أنواع من النيران الروحانية يتعاقب على روح من آثر الحياة الدنيا إلى أن ينتهي إلى مقامات النار الجسمانية، فإن ذلك يكون في آخر الأمر، فخذ الآن شرح هذه الأوصاف.

الصنف الأول: حرقة فرقة المشتهيات، فصورته المستعارة من عالم الحس و التخيل، التنين الذي وصفه الشرع، و عدد رءوسه و هي بعدد الشهوات، و رذائل الصفات تلدغ صميم الفؤاد لدغا مؤلما، و إن كان البدن بمعزل عنه. فقدّر في عالمك هذا ملكا مستوليا على جميع الأرض، متمكنا من جميع الملاذّ، متمتعا بها، مستهترا بالوجوه الحسان، متهالكا عليها، مشعوفا بالإمارة و استعباد الخلق بالطاعة، مطاعا فيهم، غافصه‌ [1] عدوه و استرقه و استعمله على ملأ من رعيته في تعهد الكلاب، و صار يتمتع بنعمه و يتمتع بأهله و جواريه بين يديه، و يتصرف في خزائنه و ذخائر أمواله، فيفرقها على أعدائه و معانديه. و انظر الآن هل ترى على قلبه تنّينا ذا رءوس كثيرة، تلدغ صميم فؤاده و بدنه بمعزل عنه، و هو يريد أن يبتلى بدنه بأمراض و آلام ليتخلص منه! فتوهم هذا، فربما تشتم به قليلا من رائحة الحطمة [2] التي فيها نار اللّه الموقدة التي لا تطلع إلا على الأفئدة، أعدت لمن جمع مالا و عدده يحسب أن ماله أخلده.

و اعلم أن عذاب كل ميت بقدر رءوس هذا التنين، و عدد الرءوس بقدر المشتهيات، فلهذا من كان أفقر و تمتعه في الدنيا أقل، كان العذاب عليه أخف، و من لا علاقة له مع الدنيا أصلا فلا عقاب عليه أصلا.

الصنف الثاني: خزي خجلة المفضحات؛ فقدّر رجلا خسيسا رذيلا فقيرا عاجزا، قرّبه ملك من الملوك و رفعه و قوّاه و خلع عليه، و سلم إليه نيابة ملكه، و مكنه من‌


[1] قوله غافصه أي فاجأه و أخذه على غرّة.

[2] الحطمة: النار الشديدة لأنها تحطم ما يلقى فيها.

نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 174
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست