responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 126

فيها و أغسل رأسي و ثوبي، و معي مطهرتي أحمل فيها شرابي و وضوئي، فما كان بعد هذا من الدنيا فهو تبع لما معي. فقال: صدقت. و قال الحسن: أدركت سبعين من الأخيار ما لأحدهم إلا ثوبه، و ما وضع أحدهم بينه و بين الأرض ثوبا. و كان فراش رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذي ينام عليه و سادة من أدم حشوها ليف، و عباءة خشنة. فهذه سيرة الزهّاد في الدنيا، فمن حرم هذه الرتبة فلا أقل من أن يتحسّر على فواتها، و يجتهد أن يكون قربه منهم أكثر من قربه من المتنعّمين في الدنيا.

[فصل فى ان الزهد على درجات‌]

الزهد على درجات: إحداها: أن يزهد و نفسه مائلة إلى الدنيا و لكن يجاهدها؛ و هذا متزهد، و ليس بزاهد؛ و لكن بداية الزهد التزهد. الثانية: أن تفر نفسه عن الدنيا و لا تميل إليها، لعلمه أن الجمع بينها و بين نعيم الآخرة غير ممكن، فتسمح نفسه بتركها، كما تسمح نفس من يبذل درهما ليشتري جوهرة، و إن كان الدرهم محبوبا عنده؛ و هذا زهد. الثالثة: أن لا تميل نفسه إلى الدنيا و لا تنفر عنها، بل يكون وجودها و عدمها عنده بمثابة واحدة، و يكون المال عنده كالماء، و خزانة اللّه تعالى كالبحر، فلا يلتفت قلبه إليه رغبة و نفورا، و هذا هو الأكمل؛ لأن الذي يبغض شيئا فهو مشغول به، كالذي يحبه؛ و لذلك ذمّ الدنيا عند رابعة العدوية، فقالت: «لو لا قدرها في قلوبكم ما ذممتموها».

و حمل إلى عائشة- رضي اللّه عنها- مائة ألف درهم فلم تنفر عنها، و لكن فرقتها في يومها، فقالت خادمتها: لو اشتريت بدرهم لحما تفطرين عليه، فقالت: لو ذكرتني لفعلت. فهذا هو الغنى، و هو أكمل من الزّهد؛ و لكنه مظنّة غرور الحمقى، إذ كل مغرور يستشعر في نفسه أن لا علاقة لقلبه مع الدنيا؛ و علامة ذلك، أن لا يدرك الفرق بين أن يسرق جميع ماله أو يسرق مال غيره، فما دام يدرك التفرقة فهو مشغول به.

فصل‌

كمال الزهد، هو الزهد في الزهد، بأن لا يعتدّ به و لا يراه منصبا؛ فإن من ترك الدنيا و ظن أنه ترك شيئا فقد عظّم الدنيا، إذ الدنيا عند ذوي البصائر لا شي‌ء، و صاحبها كمن منعه عن دار الملك كلب على بابه، فألقى إليه لقمة خبز و شغله بها و دخل دار الملك و جلس على سرير الملك؛ فإن الشيطان كلب على باب اللّه تعالى، و الدنيا كلها أقل من لقمة بالإضافة إلى الملك، إذ اللقمة لها نسبة إلى الملك إذ يفنى بأمثالها، و الآخرة لا يتصور أن تفنى بأمثالها الدنيا لأنها لا نهاية لها.

نام کتاب : الأربعين في اصول الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 126
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست