و أما حديث المنزلة فهو قوله (عليه السلام) لعلي (رضي اللّه عنه): «أنتمني بمنزلة هارون من موسى،
إلا أنه لا نبي بعدي»[1]و تقريره أن المنزلة اسم جنس أضيف فعم، كما إذا عرف باللام بدليل صحة
الاستثناء، و إذا استثنى منها مرتبة النبوة، بقيت عامة في باقي المنازل التي من
جملتها كونه خليفة له و متوليا تدبير الأمر، و متصرفا في مصالح العامة و رئيسا
مفترض الطاعة لو عاش بعده. إذ لا يليق بمرتبة النبوة زوال هذه المنزلة الرفيعة
الثابتة في حياة موسى (عليه السلام) بوفاته.
و إذا قد صرح بنفي النبوة، لم يكن ذلك إلا بطريق الإمامة.
والجوابمنع التواتر، بل هو خبر واحد في مقابلة الإجماع؛ و منع عموم المنازل،
بل غاية الاسم المفرد المضاف إلى العلم الإطلاق. و ربما يدعى كونه معهودا معينا
كغلام زيد. و ليس الاستثناء المذكور إخراجا لبعض أفراد المنزلة، بمنزلة قولك: إلا
النبوة. بل منقطع بمعنى لكن على ما لا يخفى على أهل العربية، فلا يدل على العموم.
كيف و من منازله الأخوة في النسب، و لم يثبت لعلي، اللهم إلّا أن يقال: إنها
بمنزلة المستثنى لظهور انتفائها، و لو سلم العموم، فليس من منازل هارون الخلافة و
التصرف بطريق النيابة على ما هو مقتضى الإمامة، لأنه شريك له في النبوة، و قوله:اخْلُفْنِي[2]ليس استخلافا بل مبالغة و تأكيدا في القيام بأمر القوم.
و لو سلم فلا دلالة على بقائها بعد الموت. و ليس انتفاؤها بموت
المستخلف عزلا و لا نقصا، بل ربما يكون عودا إلى حالة أكمل، هي الاستقلال بالنبوة،
و التبليغ من اللّه، و لو سلم، فتصرف هارون و نفاذ أمره لو بقي بعد موسى إنما يكون
لنبوته. و قد انتفت النبوة في حق علي (رضي اللّه تعالى عنه) فينتفي ما يبتنى عليها
و يتسبب عنها.
و أما الجواب بأن النبي (صلى اللّه عليه و سلّم) لما خرج إلى غزوة
تبوك استخلف عليا على المدينة، فأكثر أهل النفاق في ذلك. فقال علي: يا رسول اللّه،
أ تتركني مع الخوالف؟
[1]الحديث رواه ابن ماجه في سننه في
المقدمة- فضل علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه 1158- حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد
بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت إبراهيم بن سعد ابن أبي وقاص يحدث
عن أبيه عن النبي- صلى اللّه عليه و سلّم- و ذكره.
[2]سورة الأعراف آية رقم 142 و تكملة
الآيةفِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ
الْمُفْسِدِينَ.