هذا و قد شاع في عرف العوام إطلاق اسم التوبة على الاستئناف و إظهار
العزم على ترك المعصية في المستقبل. و ليس من التوبة في شيء ما لم يتحقق الندم و
الأسف على ما مضى، و علامته طول الحسرة و الحزن، و انسكاب الدموع. و من نظر في باب
التوبة من كتاب الإحياء للإمام حجة الإسلام، و تأمل فيما يرى من قصة استغفار داود
(عليه السلام) علم صعوبة (أمر التوبة)[1].
و المعتزلة لما خرجوا بالكبيرة عن الإيمان، و جزموا بالدخول، بل
الخلود في النيران ما لم يتوبوا، هونوا أمر التوبة حتى اعتقد عوامهم أنه يكفي مجرد
قول العاصي: تبت و رجعت. و خواصهم أنه يكفي أن يعتقد أنه أساء، و أنه لو أمكنه رد
تلك المعصية، لردها. و لا حاجة إلى الأسف و الحزن، لأن أهل الجنة يندمون على
تقصيرهم، و لا حزن. و إنما الحزن لتوقع الضرر، و لا ضرر مع الندم. و لأن العاصي
مكلف بالتوبة في كل وقت، و لا يمكنه تحصيل الغم و الحزن، فيلزم تكليف ما لا يطاق.
قال: و هي واجبة.
(و هي واجبة عندنا سمعا لقوله تعالى:تُوبُوا إِلَى
اللَّهِ جَمِيعاً.
و عند المعتزلة عقلا لما فيها من دفع الضر، و وجوبها على الفور.
فآثام التارك متلاحقة، و قبولها ثابت عندنا بدليل ظني، و واجب عند المعتزلة ذهابا
[1]التوبة النصوح. هو توثيق العزم على
أن لا يعود لمثله قال ابن عباس- رضي اللّه عنهما: التوبة النصوح: الندم بالقلب، و
الاستغفار باللسان و الاقلاع بالبدن و الاضمار على أن لا يعود. و قيل التوبة في
اللغة: الرجوع عن الذنب و كذلك التوب قال اللّه تعالى غافر الذنب و قابل التوب، و
قيل التوب جمع توبة، و التوبة في الشرع الرجوع عن الأفعال المذمومة إلى الممدوحة،
و هي واجبة على الفور عند عامة المسلمين أما الوجوب فلقوله تعالى:وَ تُوبُوا
إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ،و أما الفورية فلما في تأخيرها من الإصرار المحرم، و الإنابة: قريبة
من التوبة لغة و شرعا.