نسلم[1]أن مخالفة أحدهما للآخر، و إرادة ضد ما أراده ممكنة حتى يكون عدم
القدرة عليها عجزا! و ذلك أن الممكن في نفسه ربما يصير ممتنعا بحسب شرط، ككون
الجسم في هذا الحيز حال الكون في حيز آخر.
و الجواب: أن الممكن في ذاته ممكن على كل حال ضرورة امتناع الانقلاب،
و الممتنع فيما ذكرتم من تحيز الجسم هو الاجتماع أعني كونه في آن واحد، في حيزين
فكذا هاهنا يمتنع اجتماع الإرادتين، و هو لا ينافي إمكان كل منهما، فتعين أن لزوم
المحال، إنما هو من وجود الإلهين. فإن قيل: كل منهما عالم بوجوه المصالح و
المفاسد. فإذا[2]على المصلحة في أحد الضدين، امتنع إرادة الآخر.
قلنا:لو سلم كون الإرادة تابعة للمصلحة، ففرض الكلام فيما إذا استوت في
الضدين وجوه المصالح.
فإن قيل:ما ذكرتم لازم في الواحد إذا وجد المقدور؛ فإنه لا يبقى قادرا عليه،
ضرورة امتناع إيجاد الموجود فيلزم أن لا يصلح للألوهية.
قلنا:عدم القدرة منا على تنفيذ القدرة ليس عجزا بل كمالا للقدرة بخلاف عدم
القدرة بناء على سد الغير طريق القدرة عليه، فإنه عجز بتعجيز الغير إياه.
و هذا البرهان يسمى برهان التمانع و إليه الإشارة[3]بقوله تعالى:لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا[4].
[4]سورة الأنبياء آية رقم 22 و تقرير
الدليل كما يسوقه علماء الكلام لو كان في السموات و الأرض إله غير اللّه لتنازعت
الإرادتان بين سلب و إيجاب، و أن هذا التنازع يؤدي إلى فسادهما لتناقض الإرادتين و
لكنهما صالحان غير فاسدين فبطل ما يؤدي إلى الفساد فكانت الوحدانية فسبحان رب
العرش عما يصفون و من ذلك أيضا قوله تعالى:وَ لَوْ كانَ
مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراًو إذا ثبت أنه
ليس فيه اختلاف و لا تضارب في مقرراته و لا عباراته فإنه يثبت النقيض و هو أنه من
عند اللّه تعالى.