قال (و منهم من احتج عليه) عقلا و نقلا: أما العقليات فوجوه:
(الأول:أنه لو لا استقلال العبد لبطل المدح و الذم و الأمر و النهي و
الثواب، و العقاب و فوائد الوعد و الوعيد، و إرسال الرسل، و إنزال الكتب، و الفرق
بين الكفر و الإيمان و الإساءة و الإحسان و فعل النبي و الشيطان، و كلمات التسبيح
و الهذيان[1]، و كذا بين ما يقع بأعضاء
العبد على وفق إرادته و إرادة غيره مع أن التفرقة مدركة بالوجدان.
الثاني:أن من الأفعال قبائح يقبح من الحكيم خلقها كالظلم و الشرك، و إثبات
الولد و نحو ذلك.
الثالث:أن فعل العبد واجب الوقوع على وفق إرادته، فلو كان بإيجاد اللّه لما
كان كذلك بجواز أن لا يحدثه عند إرادته، و يحدثه عند كراهته.
الرابع:لو كان اللّه خالقا لأفعال المخلوقين لصح اتصافه بها، إذ لا معنى
للكافر إلا فاعل الكفر، فيكون كافرا ظالما فاسقا آكلا شاربا قائما قاعدا إلى ما لا
يحصى.
و الجواب: عنالأول. أنه لا إشكال على من يجعل فعل العبد متعلقا لقدرته، و إرادته واقعا
بكسبه، و عقيب عزمه، و لو لزم فعل المعتزلة أيضا لوجوب الفعل أو امتناعه بناء على
المرجح الموجب، و العلم الأزلي وجودا و عدما.
[1]هذي: الهذيان كلام غير معقول مثل
كلام المبرسم و المعتوه هذي يهذي هذيا و هذيانا تكلم بكلام غير معقول في مرض أو
غيره، و هذي إذا هذر بكلام لا يفهم و هذي به ذكره في هذانه و الاسم من ذلك الهذاء.