المبحث الأول في خلق أفعال العباد أولها: في خلق أفعال العباد[1]بمعنى أنه هل من جملة أفعال اللّه تعالى خلق الأفعال الاختيارية التي
للعباد؟ بل لسائر الأحياء مع الاتفاق على أنها أفعالهم لا أفعاله، إذ القائم و
القاعد و الآكل و الشارب و غير ذلك هو الإنسان مثلا، و إن كان الفعل مخلوقا للّه
تعالى، فإن الفعل إنما يستند حقيقة إلى من قام به لا إلى من أوجده، ألا ترى أن
الأبيض مثلا هو الجسم، و إن كان البياض بخلق اللّه و إيجاده، و لا عجب في خفاء هذا
المعنى على عوام القدرية و جهّالهم، حتى شنعوا به على أهل الحق في الأسواق، و إنما
العجب خفاؤه على خواصهم و علمائهم حتى سودوا به الصحائف و الأوراق، و بهذا يظهر أن
تمسكهم بما ورد في الكتاب و السنة من إسناد الأفعال إلى العباد لا يثبت المدعى و
هو كون فعل العبد واقعا بقدرته مخلوقا له و تحرير المبحث على ما هو في المواقف[2]. إن فعل العبد واقع عندنا بقدرة اللّه وحدها. و عند المعتزلة بقدرة
العبد وحدها، و عند الأستاذ بمجموع القدرتين على أن يتعلقا جميعا بأصل الفعل، و
عند القاضي على أن تتعلق قدرة اللّه تعالى بأصل الفعل، و قدرة العبد بكونه طاعة أو
معصية. و عند الحكماء بقدرة يخلقها اللّه تعالى في العبد، و لا نزاع للمعتزلة في
أن قدرة العبد مخلوقة للّه تعالى و شاع في كلامهم أنه خالق القوى و القدر، فلا
يمتاز مذهبهم عن مذهب الحكماء، و لا يفيد ما أشار إليه في المواقف من أن المؤثر
عندهم قدرة العبد. و عند الحكماء مجموع القدرتين[3]على أن تتعلق قدرة اللّه بقدرة العبد
[1]راجع مقدمة خلق أفعال العباد للإمام
البخاري تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة. الطبعة الثانية مطبعة دار عكاظ بالرياض و
أيضا ما كتبه الإمام البخاري في كتابه هذا النفيس حيث جلى القضية بالكامل.
[2]عبارة صاحب المواقف: أفعال العباد
الاختيارية واقعة بقدرة اللّه سبحانه و تعالى وحدها و ليس لقدرتهم تأثير فيها بل
اللّه سبحانه أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة و اختيارا. الجزء 8 المرصد السادس
ص 145 و ما بعدها.