قد يشاهد من النفوس الإنسانية غرائب أفعال، و إدراكات، هي عندنا بمحض
خلق اللّه تعالى، و قالت الفلاسفة في الأفعال: إن النفس قد يكون لها قوة التصرف في
غير بدنها، حتى ربما تصير بمنزلة نفس ما للعالم، أو لبعض الأجسام سيما ما يناسب
بدنها، فلا يبعد عنها إحداث الأمطار و الزلازل، و إهلاك المدن، و إزالة الأمراض[1]، و نحو ذلك، و قد تحدث أذى
فيما أعجبها لخاصية فيها، و هي الإصابة بالعين، أو شرور، أو غرائب بشرتها، و
مزاولة أفعال خاصة تعلمها بالسحر، أو باستعانة بالروحانيات، فالعزائم، أو بالأجرام
الفلكية، فدعوة الكواكب، أو بتمزيج القوى السماوية بالأرضية، فالطلسمات، أو بالخواص
و العنصرية، فالنيرنجات، أو بالنسب الرياضية، فالحيل الهندسية، و قد يتركب بعض ذلك
مع البعض].
إشارة إجمالية إلى بيان غرائب أحوال و أفعال، تظهر من النفوس
الإنسانية، و هي عندنا بمحض خلق اللّه تعالى، من غير تأثير للنفوس خلافا للفلاسفة،
و الكلام في ذلك يترتب على ثلاثة أقسام:
الأول:فيما يتعلق بأفعالها.
[1]كثير ما نسمع أن بعض الأولياء
الصالحين تكون لهم كرامات و يؤيد ذلك حديث الرسول- صلى اللّه عليه و سلم عن رب
العزة- عبدي أحببني تكن ربانيا تقول للشيء كن فيكون.
و أيضا ما جاء في الحديث القدسي: ما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل
حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، و بصره الذي يبصر به، و يده التي
يبطش بها، و إن سألني لأعطينه و إن استعاذني لأعيذنه.