[قال (القسم الأول في البسائط الفلكية) و فيه مباحث:
المبحث الأول:في إثبات المحدد. قد سبق أن من الجهات ما هو حقيقي بتوجه إليه بعض
الأجسام بالطبع و هو العلو و السفل، فلا بدّ من تحديدهما بجسم واحد كري محيط
بالكل، يتحدد بمحيطه القرب، و بمركزه البعد، أما الوحدة فلأنه لو تعدد فمع مخالطة
البعض بالبعض يتعين المحيط للتحديد، و بدونها كان كل في جهة من الآخر، فلا تكون
الجهة به قبله أو معه على أن المتحدد بكل منهما يكون هو القرب منه لا البعد، و أما
الكرية فلامتناع تركبه، أو زواله عن الاستدارة لاقتضائهما جواز الحركة المستقيمة
التي لا تكون إلا من جهة إلى جهة، فيتنافى كون الجهة به].
جعل أول المباحث في ثبات فلك محيط بجميع ما سواه من الأجسام يسمى
محدد الجهات، و تقرير البرهان أنه قد سبق أن الجهات موجودات ذوات أوضاع، و أنها
حدود و نهايات للامتدادات، و أن العلو و السفل منها جهتان متعينتان لا تتبدلان، و
هذا يستلزم وجود محدد به يتعين وضعهما، و يلزم أن يكون جسما واحدا كريا[2]محيطا بالكل ليتعين العلو بأقرب حد من محيطه، و السفل بأبعد حد منه و
هو المركز. أما الجسمية فلوجوب كونه ذا وضع، و أما الوحدة فلأنه لو تعدد
[1]المحدد: كل ما كان معينا و محكما، و
دقيقا تقول: المنهج المحدد، و المقادير المحددة.
و المحدد أيضا هو الموضوع الذي ذكرت جميع خصائصه و مميزاته حتى صار
واضحا و بينا و يرادفه المعرّف و يقابله اللامحدود و اللامتعين.