الآن، و أخرى من يوم الطوفان كل منهما لا إلى نهاية، ثم نطبق بينهما
بحسب فرض العقل إجمالا، بأن تقابل الأول من هذه بالأول من تلك و هكذا، فإما أن
يتطابقا فيتساوى الكل و الجزء أو لا فتنقطع الطوفانية و يلزم انتهاء الآنية[1]لأنها لا تزيد عليها إلا بقدر متناه.
وثانيهما:طريق التكافؤ، و هو أنا نفرض سلسلة من الحادث المعين الذي هو مسبوق
بحادث و ليس سابقا على حادث آخر بمنزلة المعلول الأخير، فلضرورة تضايف السابقية و
المسبوقية و تكافؤ المتضايفين في الوجود لزم أن تشتمل السلسلة على سابق غير مسبوق،
و هو المنتهى، و تقرير آخر أنا نفرض سلسلة من المسبوقية، و أخرى من السابقية، ثم
نطبق بينهما فتقع مسبوقية الأخير بإزاء سابقية ما فوقه، فيلزم الانتهاء إلى ما له
السابقية دون المسبوقية تحقيقا للتضايف.
أدلة امتناع تعاقب الحوادث لا إلى بداية و نهاية
[قال (و قد يذكر) وجوه أخر مثل أن حدوث كل يستلزم حدوث الكل، و أن
قبول الزيادة و النقصان يستلزم التناهي، و أن عدم تناهي الحركات الماضية يستلزم
امتناع انقضائها، و أن كل جزء من الحركة لزواله يجب أن يكون أثر المختار دون
الموجب فيكون حادثة، و أن الحركة إن كانت مسبوقة بأخرى امتنع أزليتها، و إلا تحقق
أوليتها، و أن كلا من جزئيات الحركة مسبوق بعدم أزلي فيتقارن عدماها في
[1]الإنية: اصطلاح فلسفي قديم معناه
تحقيق الوجود العيني زعم أبو البقاء: أنه مشتق من (إنّ) التي تفيد في اللغة
العربية التأكيد و القوة في الوجود لذاته، لكونه اكمل الموجودات في تأكيد الوجود،
قال: و لهذا أطلقت الفلاسفة لفظ (الإنية) على واجب الوجود لذاته، لكونه اكمل
الموجودات في تأكيد الوجود و في قوة الموجود و هذا لفظ محدث ليس من كلام العرب
(كليات أبي البقاء) و زعم بعض المحدثين أن الإنية لفظ معرّب عن كلمة (اين)
اليونانية التي معناها كان أو وجد، و اختلفوا في ضبط هذه الكلمة فقرأها بعضهم آنية
كما في تعريفات الجرجاني و هذا خطأ لأن الآنية نسبة الى الآن و قرأها بعضهم أنية
نسبة الى ان المخففة و ضبطها آخرون بالأيية و الأينية و هذا كله خطأ لأن الأينية
نسبة الى الأين و الأينية نسب الى أي و نعتقد ان اشتقاق اللفظ من (ان) لا يمنع ان
يكون بينه و بين اين اليونانية تشابه.