قلنا: ذاك في العلل المعدة، و كلامنا في العلل المؤثرة. فالأب
بالنسبة إلى الابن ليس إلا معدا للمادة لقبول الصورة، و إنما تأثيره في حركات و
أفعال تقضي إلى ذلك و تنعدم بانعدام قصده و مباشرته، و في هذا قياس سائر الأمثلة.
فإن البناء إنما يؤثر في حركات تقضي إلى ضم أجزاء البناء بعضها
بالجواز إلى بعض، و وجوده إنما هو أثر التمسك المعلول ليس العنصر هذا على رأي
الفلاسفة، و أما على رأي القائلين باستناد الكل إلى الواجب بطريق الاختيار و تعلق
الإرادة فالأمر بين.
المؤثر في الوجود مؤثر في البقاء
(قال:و المؤثر في الوجود قد يكون هو المؤثر في البقاء[1]كالشمس للضوء[2]و
قد يكون غيره[3]كمماسة النار للاشتعال[4]و
استمرارها بمعونة الأسباب لبقائه[5]).
يريد أن ما يفيد وجود الشيء قد يفيد بقاءه من غير افتقار إلى أمر
آخر كالشمس تفيد ضوء المقابل و بقاءه، و قد يفتقر البقاء إلى أمر آخر، و هذا ما
يقال: إن علة الحدوث غير علة البقاء كمماسة النار تفيد الاشتعال ثم يفتقر بقاء
الاشتعال إلى استدامة المماسة و استمرارها بتعاقب الأسباب.