المبحث الأول: لا خفاء أنا إذا أدركنا شيئا كان له تميز و ظهور عند
العقل، و ليس ذلك بوجوده العيني إذ كثيرا ما يدرك و لا وجود أو يوجد و لا إدراك،
بل يوجده العقلى، و هو المعنى بالصورة، فحقيقة إدراك الشيء حضوره عند العقل).
أي من الكيفيات النفسانية الإدراك، و قد سبق نبذ من الكلام فيه، و
الذي استقر عليه رأي المحققين من الفلاسفة أن حقيقة إدراك الشيء حضوره عند العقل،
إما بنفسه و إما بصورته المنتزعة، أو الحاصلة ابتداء المرتسمة في العقل الذي هو
المدرك أو آلته التي بها الإدراك، و هذا معنى ما قال في الإشارات إدراك الشيء هو
أن تكون حقيقته متمثلة عند المدرك يشاهدها ما به يدرك، على أن المراد بتمثل
الحقيقة حضورها بنفسها أو بمثالها سواء كان
[1]الإدراك في اللغة هو اللحاق و
الوصول، يقال: أدرك الشيء بلغ وقته و انتهى، و أدرك الثمر نضج، و أدرك الولد بلغ
و أدرك الشيء لحقه، و أدرك المسألة علمها، و أدرك الشيء ببصره رآه، فمن رأى شيئا
و رأى جوانبه و نهاياته قيل: إنه أدركه، و يصح: رأيت الحبيب، و ما أدركه بصري،
فيكوى الإدراك بهذا المعنى أخص من الرؤية.
و الإدراك عند معظم الفلاسفة إما أن يكون إدراك الجزئي أو إدراك
الكلي و إدراك الجزئي قد يكون بحيث يتوقف على وجوده في الخارج، و هو الحس، أو لا
يتوقف و هو الخيال، و إدراك الجزئي على وجه كلي هو إدراك كلية الذي ينحصر في ذلك
الجزئي.