و أجاب آخرون بأن اللزوم بحسب الوجود لا ينافي التقابل بحسب الصدق
كما بين الزوج و الفرد، و الحصر في التصور المقيد بعدم الحكم، و في التصديق ليس
بتام لخروج تصور الطرفين، و بالجملة فكلام القوم صريح في أن التصور المعتبر في
التصديق هو التصور المقابل له، و هو التصور لا بشرط الحكم أعني الذي لم يعتبر فيه
الحكم لا الذي اعتبر فيه عدم الحكم، و صرح الإمام[1] و الكاتبي[2] بأن هذا هو المراد بالتصور الساذج و التصور فقط، و حاصل التقسيم أن
العلم إما أن يعتبر فيه الحكم و هو التصديق، أو لا و هو التصور.
و معناه:- أن التصديق هو
الحكم مع ما يتعلق به من التصورات، على ما هو صريح كلام الإمام، لا الإدراك المقيد
بالحكم على ما سبق إلى الفهم من عبارته، حيث يقول: إنه الإدراك المقارن للحكم، أو
الإدراك الذي يلحقه الحكم كيف و أنه يذكر ذلك في معرض الاستدلال على كون التصور
جزءا منه، ثم إنه كثيرا ما يصرح بأنه عبارة عن نفس الحكم، و يجعل الحكم تارة من
قبيل الأفعال، و تارة ماهية[3] مسماة بالكلام النفسي ليست من جنس الاعتقاد و لا الإرادة.
و الجمهور على أنه نفس
الحكم، و أنه نوع من العلم متميز عن التصور بحقيقته لا يتعلق إلا بالنسبة، بخلاف
التصور حيث يتعلق بها و بغيرها. ألا ترى أنك إذا شككت في حدوث العالم فقد تصورت
العالم و الحادث و النسبة بينهما من غير حكم و تصديق، ثم إذا أقيم البرهان فقد
علمت النسبة نوعا آخر من
[1] الإمام هو فخرالدين الرازي. (راجع ترجمة له فيماتقدم).
[2] الكاتبي: علي بنعمر بن علي الكاتبي القزويني نجم الدين، و يقال له وبران، حكيم منطقي، من تلاميذهنصير الدين الطوسي له تصانيف منها الشمسية رسالة في قواعد المنطق، و حكمة العين فيالمنطق و الطبيعي و الرياضي، و المفصل شرح المحصل لفخر الدين الرازي في الكلام،جامع الدقائق في كشف الحقائق. منطق. توفي سنة 675 ه. (راجع فوات الوفيات:662).
[3] سقط من (ب) لفظ(ماهية).