جعله علما بالمحسوسات لم يذكر هذا القيد و خرج سائر الإدراكات، لأن
احتمال النقيض في الظن و الشك و الوهم ظاهر، و في الجهل المركب[1] أظهر، و كذا اعتقاد المقلد لأنه يزول
بتشكيك المشكك بل ربما يتعلق بالنقيض جزما، و قد يقال إن الجهل المركب ليس بتمييز،
و كذا التصور الغير المطابق كما إذا ارتسم في النفس من الفرس صورة حيوان ناطق، و
أما المطابق فداخل لأنه لا نقيض له بناء على أن في أخذ النقيض شائبة في الحكم و
التركيب، و لا يخفى ما فيه و منهم من قيد المعاني بالكلية ميلا إلى تخصيص العلم
بالكليات و المعرفة بالجزئيات (فلا يرد ما ذكر في المواقف أن هذه الزيادة مع الغنى
عنها محل نظر)[2] بطرد التعريف، أي جريانه في جميع
أفراد المعرف على ما ذكر ابن الحاجب[3] أن اسم الفاعل يورد على طرد تعريف الاسم، و الفعل المضارع على عكسه
قالوا: هذا مصطلح النحاة. ثم الظاهر من قولنا تمييزا لا يحتمل النقيض أن يراد نقيض
التمييز و لما لم يكن له كثير معنى، ذهب بعضهم إلى أن المراد أنه صفة. توجب
التمييز إيجابا لا يتحمل النقيض، و ليس بشيء و الحق اعتبار ذلك في متعلق التمييز
على ما قالوا إن اعتقاد[4]
الشيء مع أنه لا يكون إلا كذا، علم، و احتمال ألا يكون كذا احتمالا مرجوحا ظن،
فالمعنى أنه صفة توجب للنفس
[1] الجهل: يطلق الجهلعند المتكلمين على معنيين: الأول: هو الجهل البسيط، و هو عدا العلم عما من شأنه أنيكون عالما. فلا يكون ضدا للعلم، بل مقابلا له تقابل العدم و الملكة. و يقرب منهالسهو و الغفلة و الذهول، الجهل البسيط، بعد العلم يسمى، نسيانا.الثاني: هو الجهلالمركب، و هو اعتقاد جازم غير مطابق للواقع و إنما سمي مركبا لأنه يعتقد الشيءعلى خلاف ما هو عليه. فهذا جهل أول يعتقد أنه يعتقده على ما هو عليه و هذا جهل آخرقد تركبا معا، و هو ضد العلم. (راجع كشاف اصطلاحاتالفنون للتهانوي الجزء الأول ص 278: 279).
[2] ما بين القوسين سقطمن (ب).
[3] ابن الحاجب: عثمانبن عمر بن أبي بكر فقيه مالكي من كبار العلماء بالعربية كردي الأصل ولد في إسنا من(صعيد مصر) و نشأ في القاهرة، و سكن دمشق، و مات بالإسكندرية. و كان أبوه حاجبافعرف به. من تصانيفه: الكافية في النحو و الشافية في الصرف، و جامع الأمهات في فقهالمالكية. توفي سنة 646 ه رحمه اللّه. (راجع وفيات الأعيان 1:314).
[4] سقط من (أ) حرف(ان).