الدين معالمه، و من اليقين مراسمه، و بيّن من البرهان سبيله، و من
الإيمان دليله، و أقام للحق حجته، و أنار للشرع محجته، حتى انشرح الصدر[1] بنور البينات، و انزاح عن القلوب صدأ
الشبهات، و أشرق وجه الأيام، و اتسق أمر الإسلام، و اعتصم الأنام، بأوثق عصام، ما
له من انفصام، و على آله و أصحابه خلفاء الدين، و حلفاء اليقين، مصابيح الأمم، و
مفاتيح الكرم، و كنوز العلم و رموز الحكم، رؤساء حظائر[2] القدس، و عظماء بقاع الأنس، قد صعدوا ذرى الحقائق بأقدام الأفكار، و
نوروا سبع طرائق بأنوار الآثار، و قارعوا على الدين فكشفوا عنه القوارع و الكروب،
و سارعوا إلى اليقين فصرفوا[3] عنه العوادي و الخطوب، فابتسم ثغر الإسلام و انتظم أمر المسلمين و
اتضح، وعدا من اللّه و حقا عليه نصر المؤمنين.
أما بعد:[4] فقد كنت في إبان الأمر، و عنفوان
العمر، إذ العيش غض و الشباب بمائه، و غصن الحداثة على نمائه، و بدور الآمال طالعة
مسفرة، و وجوه الأحوال ضاحكة مستبشرة، و ربوع[5] الفضل معمورة الأكناف و العرصات، و رياض العلم ممطورة[6] الأكمام و الزهرات، أسرح النظر في
العلوم طلبا لأزهارها و أنوارها، و أشرح الكتب من الفنون كشفا لأستارها عن
أسرارها، يرد عليّ حذاق الآفاق غوصا على فرائد فوائدها، و يتردد إليّ أكياس[7] الناس روما لشوارد عوائدها، علما منهم
بأنا بذلنا قوانا لاكتساب الدقائق، و قتلنا نهانا[8] في طلاب الحقائق، و حين رأوا علم الكلام، الذي هو أساس
[1] في (أ) الصدور.
[2] في (ب) حطام و هوتحريف.
[3] في (ب) سرعوا.
[4] في (أ) و بعد.
[5] في (ب): و رباع.
[6] في (أ) مطمورة.
[7] الكيس: بوزن الكيل،و الرجل كيس مكيس أي ظريف و بابه: باع و كياسة أيضا بالكسر.و الكيس: واحدا أكياسالدراهم: مختار الصحاح.
[8] النهى: هي العقوللأنها تنهى عن القبيح و تناهى الماء إذا وقف في الغدير و سكن و الإنهاء:الإبلاغ، و أنهى إليهالخبر فانتهى و تناهى: أي بلغ.