أقول لعل خاطر بعض من يقف
على هذه الرواية يستبعد ما تضمنته من العناية و يقول كيف يقتضي ثلاثون غرفة من
الماء استمرار العافية طول سنته و زوال أخطار الأدواء فاعلم أن كل مسلم فإنه يعتقد
أن الله جل جلاله يعطي على الحسنة الواحدة في دار البقاء من الخلود و دوام العافية
و كمال النعماء ما يحتمل أن يقدم لهذا العبد المغتسل في دار الفناء بعض ذلك العطاء
و هو ما ذكره من العافية و الشفاء.
فصل فيما نذكره من صوم الإخلاص
و حال أهل الاختصاص من طريق الاعتبار
اعلم أن أصل الأعمال و
الذي عليه مدار الأفعال ينبغي أن يكون هو محل التنزيه عن الشوائب و النقصان و لما
كان صوم شهر رمضان مداره على معاملة العقول و القلوب لعلام الغيوب وجب أن يكون
اهتمام خاصته جل جلاله و خالصته بصيام العقل و القلب عن كل ما يشغل عن الرب فإن
تعذر استمرار هذه المراقبة في سائر الأوقات لكثرة الشواغل و الغفلات فلا أقل أن
يكون الإنسان طالبا من الله جل جلاله أن يقويه على هذه الحال و يبلغه صفات أهل
الكمال و أن يكون خائفا من التخلف عن درجات أهل السباق مع علمه بإمكان اللحاق فإنه
قد عرف أن جماعة كانوا مثله من الرعية للسياسة العظيمة النبوية و بلغوا غايات من
المقامات العاليات و فيهم من كان غلاما [ما] يخدم أولياء الله جل جلاله في الأبواب
و ما كان جليسا و لا نديما لهم و لا ملازما في جميع الأسباب فما الذي يقتضي أن يرضي
من جاء بعدهم بالدون و بصفقة المغبون و أقل مراتب المراد منه أن يجري الله جل
جلاله و رسوله ص مجرى صديق يحب القرب منه و يستحيي منه و هو حافر من الأعراض عنه
فإذا قال العبد ما أقدر على هذا التوفيق و هو يقدر عليه مع الصديق فهو يعلم من
نفسه أنه ما كفاه الرضا بالنقصان و الخسران حتى صار يتلقى الله جل جلاله و رسوله و
آله ع بالبهتان و الكذب و العدوان.