بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي وفقنا لافتتاح المقال بتحميده، و هدانا إلى تصدير
الكلام بتمجيده، و ألهمنا الإقرار بكلمة توحيده، و بعثنا على طلب الحق و تمهيده، و
صلاته على المصطفين من عبيده، خصوصا على محمد و آله المخصوصين بتأييده.
و
بعد: فكما أن أكمل المعارف و أجلها شأنا و أصدق العلوم و أحكمها تبيانا هو المعارف
الحقيقية و العلوم اليقينية، كذلك أشرف ما ينسب إلى الحقيقة و اليقين من جملتها و أولاها
بأن توقف الهمة طول العمر على قنيتها، هو معرفة أعيان الموجودات المترتبة المبتدئة
من موجدها و مبدئها، و العلم بأسباب الكائنات المتسلسلة المنتهية إلى غايتها و منتهاها،
و ذلك هو الفن الموسوم بالحكمة النظرية التي تستعد باقتنائها النفوس البشرية.
و
كما أن المتقدمين الفائزين بها تفضلوا على من بعدهم بالتأسيس و التمهيد، كذلك المتأخرون
الخائضون فيها قضوا حق من قبلهم بالتلخيص و التجريد.
و
كما أن الشيخ الرئيس أبا علي الحسين بن عبد الله بن سينا- شكر الله سعيه- كان من المتأخرين
مؤيدا بالنظر الثاقب و الحدس الصائب، موقفا «1» في تهذيب الكلام و تقريب المرام، معتنيا
بتمهيد القواعد و تقييد الأوابد «2»، مجتهدا في تقرير الفرائد و تجريدها عن الزوائد،
كذلك كتاب الإشارات و التنبيهات من تصانيفه و كتبه كما وسمه هو به، مشتمل على إشارات
إلى مطالب هي الأمهات، مشحون بتنبيهات على مباحث هي المهمات، مملو بجواهر كلها كالفصوص،
محتو، على كلمات يجري أكثرها مجرى