فقد دلت
هذه الآية الكريمة على نفي الباطل بجميع أقسامه عن الكتاب فإن النفي إذا
ورد على الطبيعة أفاد العموم، ولا شبهة في أن التحريف من أفراد الباطل،
فيجب أن لا يتطرق إلى الكتاب العزيز.
وقد أجيب عن هذا الدليل: بأن المراد من الآية صيانة الكتاب من التناقض في
أحكامه، ونفي الكذب عن أخباره، واستشهد لذلك برواية علي بن إبراهيم القمي،
في تفسيره عن الإمام الباقر عليه السّلام قال: «لا يأتيه الباطل من قبل
التوراة، ولا من قبل الإنجيل، والزبور، ولا من خلفه أي لا يأتيه من بعده
كتاب يبطله» ورواية مجمع البيان عن الصادقين عليهم السّلام أنه: «ليس في
اخباره عما مضى باطل، ولا في اخباره عما يكون في المستقبل باطل».
ويردّ هذا الجواب: أن الرواية لا تدل على حصر الباطل في ذلك، لتكون منافية
لدلالة الآية على العموم، وخصوصا إذا لاحظنا الروايات التي دلت على أن
معاني القرآن لا تختص بموارد خاصة، وقد تقدم بعض هذه الروايات في مبحث«فضل
القرآن»فالآية دالة على تنزيه القرآن في جميع الأعصار عن الباطل بجميع
أقسامه، والتحريف من أظهر أفراد الباطل فيجب أن يكون مصونا عنه، ويشهد
لدخول التحريف في الباطل، الذي نفته الآية عن الكتاب أن الآية وصفت الكتاب
بالعزة، وعزّة الشيء تقتضي المحافظة عليه من التغيير والضياع، أما إرادة
خصوص التناقض والكذب من لفظ الباطل في الآية الكريمة، فلا يناسبها توصيف
الكتاب بالعزة.
التحريف والسنة:
الدليل الثالث: أخبار الثقلين اللذين خلّفهما النبي صلّى اللّه عليه وآله
وسلّم في أمّته وأخبر أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وأمر الأمة
بالتمسك بهما، وهما الكتاب والعترة. وهذه