لا
يشك باحث مطلع في أن القرآن أعظم معجزة جاء بها نبي الإسلام، ومعنى هذا
أنه أعظم المعجزات التي جاء بها الأنبياء والمرسلون جميعا. وقد ذكرنا في
المباحث المتقدمة بعضا من نواحي إعجازه، وأوضحنا تفوق كتاب اللّه على جميع
المعجزات، ولكنا نقول هاهنا: إن معجزة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم
تكن منحصرة بالقرآن الكريم، ولقد شارك جميع الأنبياء في معجزاتهم واختصّ
من بينهم بمعجزة الكتاب العزيز. والدليل على قولنا هذا أمران: الأول: أخبار
المسلمين المتواترة الدالة على صدور المعجزات منه، وقد ألّف المسلمون-على
اختلاف مللهم ونحلهم في هذه المعجزات-مؤلفات كثيرة فليراجعها من يرغب في
الاطلاع عليها. ولهذه الأخبار جهتان من الامتياز على أخبار أهل الكتاب
بمعجزات أنبيائهم: الجهة الاولى: قرب الزمان، فإن الشيء إذا قرب زمانه كان
تحصيل الجزم بوقوعه أيسر منه إذا بعد زمانه.
الجهة الثانية: كثرة الرواة، فإن أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم
الذين شاهدوا معجزاته أكثر-بالوف المرّات-من بني إسرائيل، ومن المؤمنين
بعيسى الناقلين لمعجزاتهما.