توضيح ذلك: أنّ
الاحتياط العقلي عبارة عن حكم العقل بتنجز الواقع على المكلف وحسن عقابه
على مخالفته، كما في موارد العلم الاجمالي والشبهة الحكمية قبل الفحص،
والبراءة العقلية عبارة عن حكم العقل بعدم صحّة العقاب، وكون المكلف
معذوراً في مخالفة الواقع لعدم وصوله إليه، ولا معنى لقيامهما مقام القطع،
إذ لا بدّ في التنزيل وقيام شيء مقام شيء آخر من وجه التنزيل، أي الأثر
الذي يكون التنزيل بلحاظه، وهو المصحح للتنزيل، وفي المقام أثر القطع هو
التنجز والمعذورية، فإذا قام شيء مقامه كان بلحاظهما لا محالة. وأمّا نفس
التنجز والمعذورية فلا يعقل قيامهما مقام القطع، وليس الاحتياط والبراءة
العقليّان إلّاالتنجز والتعذر بحكم العقل، فكيف يقومان مقام القطع.
وكذا الحال في الاحتياط والبراءة الشرعيين، فانّ الاحتياط الشرعي عبارة عن
إلزام الشارع إدراك مصلحة الواقع، والبراءة الشرعية عبارة عن ترخيصه حين
عدم إحراز الواقع، فالاحتياط الشرعي نفس التنجز، والبراءة الشرعية نفس
التعذر بحكم الشارع، فليس هنا شيء يقوم مقام القطع في التنجز والتعذر. بقي في المقام شيء ينبغي التعرض له: وهو أنّ صاحب
الكفاية (قدس سره) بعد ما منع عن قيام الأمارات والاُصول مقام القطع
الموضوعي، لاستلزامه الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي في دليل الحجّية
على ما تقدّم بيانه {1}ذكر في حاشيته على الرسائل {2}وجهاً
لقيامها مقامه، وحاصل هذا الوجه: أنّ أدلة الأمارات والاُصول وإن كانت
متكفلة لتنزيل المؤدى منزلة الواقع فقط، فلا يكون هناك إلّالحاظ آلي،
إلّاأنّ هذه الأدلة الدالة على تنزيل المؤدى منزلة