المقام
انتفاء وجوب التبين عن الخبر عند انتفاء مجي الفاسق به إنّما هو لانتفاء
موضوعه لا للمفهوم، إذ مع عدم مجي الفاسق بالخبر لا خبر هناك ليجب التبين
عنه أو لا يجب. وفيه: أنّ الموضوع في القضيّة هو النبأ، ومجيء
الفاسق به شرط لوجوب التبين عنه، فلا تكون القضيّة الشرطية مسوقةً لبيان
تحقق الموضوع، توضيح ذلك: أنّ الجزاء تارةً يكون في نفسه متوقفاً على الشرط
عقلاً، بلا دخل للتعبد المولوي، كما في قولك: إن رزقت ولداً فاختنه
وأمثاله. واُخرى يكون متوقفاً عليه بالتعبد المولوي، كما إذا قال المولى:
إن جاءك زيد فأكرمه، فانّ الاكرام غير متوقف على المجيء عقلاً، نظير توقف
الختان على وجود الولد، فما كان التعليق فيه من قبيل الأوّل فهو إرشاد إلى
حكم العقل، ومسوق لبيان الموضوع فلا مفهوم له، وما كان من قبيل الثاني فهو
يفيد المفهوم، وهذا هو الميزان في كون القضيّة الشرطية مسوقةً لبيان
الموضوع وعدمه.
ثمّ إنّ الشرط قد يكون أمراً واحداً وقد يكون مركّباً من أمرين، فإن كان
أمراً واحداً فقد تقدّم أ نّه إن كان الأمر المذكور ممّا يتوقف عليه الجزاء
عقلاً فلا مفهوم للقضيّة، وإلّا فتدل على المفهوم. وأمّا إن كان مركّباً
من أمرين، فإن كان كلاهما ممّا يتوقف عليه الجزاء عقلاً، فلا مفهوم للقضيّة
الشرطية أصلاً، كقولك: إن رزقك اللََّه مولوداً وكان ذكراً فاختنه، وإن
كان كلاهما ممّا لا يتوقف عليه الجزاء عقلاً، فالقضيّة تدل على المفهوم
بالنسبة إلى كليهما، بمعنى أ نّها تدل على انتفاء الجزاء عند انتفاء كل
واحد منهما ولو مع تحقق الآخر، كقولك: إن جاءك زيد وكان معمماً فأكرمه،
فانّه يدل على انتفاء وجوب الاكرام عند انتفاء المجيء ولو كان معماً، وعلى
انتفاء وجوب الاكرام عند انتفاء كونه معمماً ولو مع تحقق المجيء. وإن كان
أحدهما ممّا يتوقف عليه الجزاء عقلاً دون الآخر