لا بُـدّ في هذا المقام من تحقيق أمر فدك ، ليتبيّن حقيقة الأمر ، فنقـول :
كانت فـدك قريـة مـن قـرى خيـبر ، ولمّـا فـتح الله خيـبر على رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جلا أهلُ فدك فـفُـتحت ; فكان ممّـا أفـاء الله عليه من غير إيجاف[2] خيـل ولا رِكاب ، فصار من أقسام الفيء ، وكان تحت يد رسـول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يكون أموال الفيء تحت أيدي الأئمّـة .
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينفق منها على عياله وأهل بيته ، ثمّ يصرف ما يفضل عن نفقة عياله في السلاح والكُـرَاع[3] .
فلمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وترك أزواجاً وأهل بيت ، ولم يكن يحلّ لأزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) التزويج بعـده ; لأنّـهن كنّ أُمّهـات المؤمنيـن ، ولم يكن سعةٌ في أموال الفيء حتّى ينفقَ الخليفةُ على أزواجه من سائر جهات الفيء ويترك فدك لفاطمة وأولادها ، فعمل أبو بكر في فدك مثل عمل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فكان ينفق منها على أزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة
[1] إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن " إحقاق الحقّ " ـ : 499 الطبعة الحجرية .
[2] وجَفَ البعيرُ والفرسُ يَجِفُ وَجْفاً ووَجِيفاً : أَسْرَعَ ، والوَجيف : ضربٌ من سير الإبل والخيل ، والإيجاف : سرعة السـير ; انظر : لسان العرب 15 / 222 و 223 مـادّة " وجف " .
[3] الكُراع : ما دون الكعب من الدوابّ ، وما دون الرسغ من ذوات الحافر ، وهو من كلِّ شيّ : طرفه ; والكراع هنا : اسمٌ يَجمع الخيل والسلاح ، وهو مجاز ; انظر : تاج العروس 11 / 419 و 420 مادّة " كرع " .