لا يبعد أنّ المنشأ في هذا الرمي ، روايتُه لبعض تلك المطالب في خلفائهم ، وبعض فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، كما رموا الحاكم والنسائيّ وغيرهما بالتشـيّع[1] ; لأنّهم يجدون لهم إنصافاً في الجملة ، وهو خلاف طريقتهم ; إذ لا يقنعهم من الرجل إلاّ أن يروا عليه أثر النصب في جميع أقواله وأفعاله ، وأن لا يتعرّض لرواية شيء من مساوئ خلفائهم وأوليائهم ، حتّى لو وقعت منه صدفةً ، وكان ما رواه مشهوراً .
ولو فُرضَ أنّ السُّدِّي من الشـيعة ، فما ضرّه بعدما احتجّ به أهلُ صحاحهم ، ووثّـقه علماؤهم ، كما عرفت .
وأمّـا قوله : " لا يعلمون الوضـع " . .
فصحيحٌ ; فإنّـا بحمـد الله لا نسـتحلّه ولا نألفُـه ، ولا ننقل شـيئاً عنهم إلاّ بعد أن نراه ، وقد أوقفناك على محالِّ النقل من كـتبهم ، فإنْ صدقوا في روايتها ، فهو المطلوب ، وإنْ كذبوا ، فالذنب منهم وعليهم ، ولسـنا مثلهم نختلقُ ما لا أصلَ له ، كما عرفتـه من هذا الخصم مراراً .
وما زالوا يكذبون على الشـيعة ، وينسـبون إليهم ما لا أثر له في كـتبهم ، ولا يمرُّ على بال أحد منهم[2] !
[1] انظر : سـير أعلام النبلاء 14 / 132 ـ 133 رقم 67 ترجمة النسائي و ج 17 / 165 و 168 رقم 100 ترجمة الحاكم النيسابوري .
وأمّـا ما زعمه من ردّ ما ذكره المصنّـف ، فقد وكلناه إلى إنصاف الحكم .
وما قاله من الشـعر غلط على سـفالته ; لأنّـه أراد بالأخـلاف : الخلفـاء ، وقد ذكـر في " القاموس " [3 / 141 مادّة " خلف "] أنّ الأخلاف هم العبيـد أو الأولاد ، المختلفون بالطول والقصر ، أو البـياض والسواد .
وينبغي أن نعرض عن معارضة شعره بمثله ، بل نمدح المصنّـف بما هو حقيـق فيـه ، ونقول :
أحاميةَ الهدى ! ما زِلتَ تُصْمي
بـمِـزْبَـرِكَ الـعُـداةَ ولا تُـداهِـنْ
بـ " نهجِ الحقّ " سِرْتَ لهم دليلا
وجُزْتَ مَخاوفاً في قلبِ آمنْ
لقد شَكرَ الإلـهُ لكَ المَساعي
فما شُكري وسخطُ ذَوي الضغائنْ ؟ !
منـه (قدس سره) .
نـقـول :
يقال : أَصْمَيْتَ الصيدَ إذا رمَـيْـتَـه فقـتَـلْـتَـه وأنت تراه ، وأَصْمى الـرَّمِيَّـة : أَنـفَـذَها ; انظر : لسان العرب 7 / 415 مادّة " صما " .
والمِـزْبَـرُ : القلم ; انظر : لسان العرب 6 / 11 مادّة " زبر " .