الثالثة: حكم الطبيعة بأن الإنسان إذا أحبّ شيئاً أحبّ جميع شؤونه، فتراه يتتبعها ويتوددها ويتمناها، ويتّخذ ممن أحبّ قدوةً وأُسوةً، يطيعه ولا يعصيه، وفي هذا يقول الإمام الصادق عليه السلام: " ما أحبّ الله عزّوجلّ مَن عصاه " ثمّ تمثّل فقال:

وفي هذا المعنى يقول القاضي عياض في الفصل الذي عقده في علامة محبة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، قال : ( اعلم أن من أحبّ شيئاً أحبّ أثره، وآثر موافقته وإلاّ لم يكن صادقاً في حبّه وكان مدّعياً، فالصادق في حبّ النبيّ من تظهر علامة ذلك عليه وأولها: الاقتداء به واستعمال سنته، واتّباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } )[2].

فتحصّل من الجهات الثلاث المتقدمة أنّ مَنْ اُمرنا بمودّتهم يلزمنا اتباعهم والاقتداء بهم، فلابدّ أن يكون ذلك الاتّباع آخذاً بنا إلى كلّ فضيلة وبرٍّ وهدىً، وهذا شأن رسالة السماء، فهي لا تدعو إلى أمر إلاّ وفيه هدىً، قال تعالى: { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ}[3] .

ومنه يلزم أن يكون مَنْ أُمِرنا بمودتهم قد حازوا كلّ فضيلة، وتسنّموا ذرى الإيمان وأعلى درجاته، وتحلّوا بكل صفة جميلة، لكي تهفو لهم النفوس وتحبّهم وتتشبّه بهم، وتتمنى خصالهم، وتسعى لتحصيلها، فتكون في سعيها هذا سائرةً في الطريق الصحيح والمنهج القويم، ولابدّ أن يكونوا أيضاً خالين من

[1] أمالي الصدوق : ص578، 790 ـ المجلس 74 .

[2] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض: ج2 ص20.

[3] سورة لقمان: الآيتان 2-3.