وفي هذا الحديث أيضاً توجد دلالة ثانية, وهي الدلالة على الفرقة الناجية من فرق المسلمين الّتي عناها رسول الله(صلى الله عليه وآله) بقوله: (تفترق اُمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة, كلّها في النار, والناجية منها واحدة)[1]. فالفرقة الناجية من الغرق في بحر الضلالات هي الفرقة الّتي تركب سفينة أهل البيت(عليهم السلام).
وليس المراد من ركوب سفينة أهل البيت(عليهم السلام) كما دلّ عليه حديث السفينة المتقدّم, سوى اتّباعهم والاهتداء بهدي علمائهم وهم الأئمّة(عليهم السلام), والأخذ بعلومهم في فهم أحكام الدين الّتي هي امتداد لعلم وفهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) حسبما ينصّ عليه الحديث الشريف الآتي: (من سرّه أن يحيا حياتي, ويموت مماتي, ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوالِ عليّاً من بعدي, وليوالِ وليّه, وليقتدِ بالأئمّة من بعدي, فإنّهم عترتي, خلقوا من طينتي, رزقوا فهمي وعلمي, فويل للمكذّبين بفضلهم من اُمتي, القاطعين فيهم صلتي, لا أنالهم الله شفاعتي)[2].
والمعنى المذكور هو الّذي نصّ عليه الإمام الشافعي في أبياته المعروفة الّتي رواها له أبو بكر شهاب الدين الشافعي في كتابه (رشفة الصادي) حين قال:
ولمّا رأيت الناس قد ذهبت بهم
مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجا
وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل الرسل
وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم
كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل
إذا افترقت في الدين سبعون فرقة
ونيفاً على ما جاء في واضح النقل
ولم يك بناجٍ منهم غير فرقة
فقل لي بها ذا الرجاحة والعقل
أفي الفرقة الهلاك آل محمّد؟
أم الفرقة اللاتي نجت منهم؟ قل لي
[1] اُنظر: سنن الترمذي 4: 134 و135, وسنن أبي داود 2: 390, وسنن ابن ماجة 2: 1321 و 1322, وسنن الدارمي 2: 241, ومسند أحمد بن حنبل 2: 32, 4: 102 والمستدرك على الصحيحين 1: 47 و217, وقد صحّحه الترمذي والحاكم فيما تقدّم من كتبهم, وادّعى السيوطي تواتره كما في فيض القدير 2: 27 وكذلك الكتاني في نظم المتناثر: 47.
[2] رواه أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 86 بسند صحيح, وابن عساكر في تاريخ دمشق 42: 240, والمتقي الهندي في كنز العمال 12: 104 يرويه عن الطبراني والرافعي عن ابن عباس.