يعتبر عثمان بن عفان هو الآخر من الأركان المهمة عند (الفكر السلفي)، فعنه يوردون معالم دينهم, وبالولاء له يلتمسون طريقاً إلى الجنّة، فلننظر ما لليهود من أثر وتأثير عليه أيضاً:
روى البلاذري في الأنساب، والمسعودي في (مروج الذهب) ـــ واللفظ له ـــ : ((أنّ أباذر حضر مجلس عثمان ذات يوم فقال عثمان: أرايتم من زكّى ماله، هل فيه حقّ لغيره؟ فقال كعب: لا يا أمير المؤمنين. فدفع أبو ذر في صدر كعب وقال له: كذبت يا بن اليهودي، ثمّ تلا: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} (الآية)[1]. فقال عثمان: أترون بأساً أن نأخذ مالاً من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا ونعطيكموه؟ فقال كعب: لا بأس بذلك، فرفع أبوذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال: يا بن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا! فقال له عثمان: ما أكثر أذاك لي! غيّب وجهك عنّي فقد آذيتنا، فخرج أبو ذر إلى الشام))[2].
وفي لفظ الطبري وابن عساكر: ((أنّ أباذر دخل على عثمان وعنده كعب الأحبار فقال - أي: أبا ذر - لعثمان: لا ترضوا من الناس بكف الأذى حتّى يبذلوا المعروف وقد ينبغي للمؤدّي الزكاة أن لا يقتصر عليها حتّى يحسن إلى الجيران والإخوان ويصل القرابات. فقال كعب: من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه. فرفع أبو
[1] سورة البقرة، الآية 177، قال المحقق لكتاب المسعودي محمّد سعيد اللحام في تعليقته: (والمقصود ما ذكر في تتمة الآية وهي قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ}، أي أنّ المقصود هو أنّه في مال المرء أشياء أُخر عليه أن يؤديها للفئات المذكورة في هذه الآية غير الزكاة) (انتهى).