التحديث والإلهام المدّعى في إدراك المصلحة في هذا الفعل من النبيّ(صلى الله عليه وآله) والفعل الّذي سبق الحديث عنه، وكيف لم تسعفه موافقاته الّتي ينسبها لنفسه مع ربّه[1] كي تجنّبه ـــ على الأقل ـــ إساءة الأدب مع النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله) في هذا الموقف والمواقف الأخرى، وقد جاءت الأوامر الإلهية للصحابة جميعاً ومن دون استثناء ـــ كما مرّت الإشارة إليه سابقاً ـــ واضحة وصريحة بأن يحسنوا خطابهم مع النبيّ(صلى الله عليه وآله) في آيات عديدة، وفي بعضها نهاهم المولى سبحانه حتّى عن رفع أصواتهم إن كانوا في حضرته المقدّسة فضلاً عن جذب ثوبه أمام الناس ومخاطبته بكلام يشتمل على الأمر والنهي، وهو ممّا لا يصح صدوره عن تلميذ في حقّ اُستاذه فضلاً عن مسلم في حقّ نبيّه الأعظم(صلى الله عليه وآله)!!

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}، وقال جلّ شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[2]. فالمولى سبحانه قد جعل غض الصوت والاستكانة في الحضرة النبوية المقدّسة علامة الامتحان للتقوى والبشارة بالمغفرة والأجر العظيم، وما خالف ذلك يكون محبطاً للأعمال من حيث لا يشعر المرء!

والحادثة باختصار: أنّه لمّا توفي عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله) جاء ابنه عبد الله[3] وأهله فسألوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يصلي عليه, فقام

[1] كما في رواية أحمد في المسند 1: 23 عن عمر بن الخطاب أنّه قال: (وافقت ربّي في ثلاث...((الخبر)).

[2] سورة الحجرات، الآيتين: 2، 3.

[3] قال ابن عبد البر في الاستيعاب 3 : 940 في ترجمة عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول: ((.. وكان اسمه الحباب فسمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عبد الله, وكان أبوه عبد الله بن أبي سلول يكنّى أبا الحباب بابنه الحباب، وهو [أي: عبد الله الابن] من فضلاء الصحابة وخيارهم شهد بدراً واُحداً والمشاهد كلّها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله))) (انتهى)