ومرجع ذلك إلى انحطاطهم عن سـياداتهم ورئاسـاتهم ومنعة قوميّتهم، فينقلبوا خاضعين إلى نفوذ أوامره ونواهيه وسـيطرة شـريعته، وهذه الأُمور ممّا يهيج الشـفيع[1] والوضيع من العرب إلى بغض دعوته وردّها والتنفّر منها، ولكنّ بركة الحقّ سـهّلت على كثير من الناس سـلوك نهج الهدى، وصبروا في ذلك على مقاساة[2] الشـدائد حتّى أظهر الله أمره.
وأين هذا ممّن رأى الناس وقد ملأ دينهم أسـماعهم بالبشـرى بالمهديّ، وحشـا قلوبهم وجوانحهم بالشـوق إليه، وطالت عليهم ليالي الانتظار في توقّع صبح الفرج، فكان من يأتيهم باسـم المهديّ يكون حاجتهم المطلوبة وأُمنـيّـتهم المنتـظَرة، وعلى الخصوص أهل إيران ; لِما تعرفهم به من التشـيّع والعلاقة بأهل البيت (عليهم السلام)، والشـوق إلى دولة المهديّ (عليه السلام) وعدلها وأمنها.
فقد قاسَـوا في مملكتهم أشـدّ القلق والضيق من اضطراب أمر السـياسـة وتقلّب الدولة، من الصفوية.. إلى نادر.. إلى الزندية.. إلى القاجارية ; كلّ ذلك مع اختلال نظام السـياسـة، وطغيان الفتن، وتتابع الثورات المبيدة، ودوام الحروب والغارات، حتّى كادت أن تأتي على رمق عيشـهم، ونفس راحتهم، وبقيّـة حياتهم..
فكان من يأتيهم متسـمّياً بالمهديّ يأتي إلى مهاد موطّد وأمر ممهّد، قد امتلأت بالرغبة إليه القلوب، واشـتاقت إليه النفوس، وامتدّت الأعناق، وشـخصت الأبصار..
فلا يحتاج المتمهدي ـ فيه ـ من ضعفاء البصائر إلاّ إلى شـيء من