قال : أقول خيراً ، إذا أردتَ الدنيا
فقد أمكنتك من قيادها ، وصار في يديك ضرعها ، فإن أردت الآخرة فهي لك ممكنة وفي
يدك أسبابها ، فإن أردت الدنيا فارتضع ، وإن أردت الآخرة فارتدع ، وأعلم أنّ ما
زادك في الآخرة ونقصك من الدنيا خير لك ممّا زادك في الدنيا ونقصك من الآخرة ، فلا
يسرّنك من الدنيا سارّ ، ولا يغرنّك عن الآخرة غار ، فلعمري لقد حلبتَ الدهر أشطره
، وشربتَ صفوه ، ورعيتَ عفوه ، فانظر أيّ أمر يكون غداً إن لم يكن المصير إلاّ إلى
النار فاحذر الآخرة ) [١].
أقول
: ولهذه النصيحة صورة أخرى رواها
البلاذري بأخصر ممّا مر. فقد روى في ( أنساب الأشراف ) عن المدائني عن عوانة وابن
جعدبة قالا : ( قال معاوية لابن عباس : إنّ عثمان أصاب من هذه الدنيا وأصابت منه ،
وإنّها قد مالت بي وملت بها فما ترى يا أبا عباس؟
فقال : إنّ الدنيا قد أمكنتك فهي في يدك
ولك درّها ، وإنّ الآخرة ممكنة لك إن أردتها ، ولمّا نقصك من دنياك وزادك في آخرتك
خير لك ممّا نقصك من آخرتك وزادك في دنياك ) [٢].
[١] مقامات العلماء
بين يدي الخلفاء والأمراء / ٢٠٥ ، تحقيق محمد جاسم الحديثي.