قال ابن عباس : فأتيت عليّاً فأخبرته
بما كان ، فقبّل بين عينيّ ، وقال : ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا
مِنْ بَعْضٍ )[١] ، أنا كنت أعلم بك حيث بعثتك [٢] .. انتهت الرواية.
أمّا الذي لا يمكن أن يقبله امرؤ ذو
روية فما رواه المسعودي المؤرخ الحزبي فقد زعم أنّ عائشة قالت لعليّ بعد خطب طويل
كان بينهما : ( إنّي أحبّ أن أقيم معك فأسير إلى قتال عدوك عند مسيرك.
فقال عليّ : بل ارجعي إلى البيت الذي
تركك فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) [٣].
وهذا خبر غير معقول ألبتة ، وهو مخالف
منطق الحوادث ، أمن تجييش الجيوش على عليّ ، إلى القتال معه؟ أهكذا إنقلاباً
فجائياً من
[٢] شرح نهج البلاغة
لابن أبي الحديد ٢ / ٨٢ ، وانظر العقد الفريد ٣ / ١٠٣ ، واليعقوبي ٢ / ٢١٣ ، ولقد
كان هذا الخبر ـ ان صح ـ أجدر أن يوجد في الطبري وأرجّح أنه راج بعده ( مات الطبري
سنة ٣١٠ ) ولعله علم به وأهمله لكذبه. ومن أمعن في هذه الأقوال استبعد صدورها عن
مثل ابن عباس ، فليس ممّا يرضاه ذوق أن تجابه امرأة مهزومة بمثل هذا فكيف بمثل
عائشة مكانة وحرمة. والخبر مصنوع بأداة حزبية عصبية طبقية ، والا فابن عباس أصح
عقيدة وأتقى لله من أن ينسب إلى أسرته ما هو من صنع الله ، وكلّ مسلم يعلم : أن
زواج عائشة كان بوحي من الله ، وأن صديقية أبي بكر كانت هداية من الله وحده ، لا
وساماً تمنحه أسرة. وكلّ ما مرّ بك آنفاً وما سيمرّ بك عاجلاً من معاملة عليّ
لعائشة ومخالفيه ... مبعد عن تصديق هذا الخبر الروائي. لقد كان ابن أبي الحديد ( أو
صناع بعض أخباره على الأصح ) في كثير ممّا يروى : الصديق الجاهل للإمام كرم الله
وجهه. والمشهور من نبل عليّ ودينه وسمو خلقه ... يجعل المنصفين يضربون بكثير من
هذه الروايات عرض الحائط. وقريب منه في ذلك ابن عباس. ( تعليقة سعيد الأفغاني
بنصها وفصها ).