responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ثم اهتديت (تحقيق وتعليق مركز الأبحاث العقائدية) نویسنده : التيجاني السماوي، محمد    جلد : 1  صفحه : 560

مالك، وكانت من أشهر نساء العرب بالجمال، ويقال إنّه لم ير أجمل منها وفتن خالد بجمالها.

وقال له مالك : يا خالد أبعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا، وتدخّل عبد الله بن عمر وأبو قتادة الأنصاري، وألحّا على خالد أن يبعثهم إلى أبي بكر، فرفض خالد وقال : لا أقالني الله إن لم أقتله، فالتفت مالك إلى زوجته ليلى وقال لخالد : هذه التي قتلتني، فأمر خالد بضرب عنقه وقبض على ليلى زوجته ودخل فيها في تلك الليلة [1] .


[1] تاريخ الطبري ٢: ٥٠٣، تاريخ اليعقوبي ٢: ٨٩، تاريخ أبي الفداء ١: ٢٢١، وللاطلاع أكثر نورد ما ذكره العلاّمة الأميني في الغدير ٧: ١٥٨ ـ ١٦٥:
رأي الخليفة في قصة مالك:
سار خالد بن الوليد يريد البطاح حتّى قدمها فلم يجد بها أحداً، وكان مالك بن نويرة قد فرَّقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال: يا بني يربوع، إنّا دُعينا إلى هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح، وقد نظرت فيه فرأيت الأمر يتأتّى لهم بغير سياسة، وإذا الأمر لا يسوسه الناس، فإيّاكم ومناوأة قوم صنع لهم فتفرّقوا وادخلوا في هذا الأمر، فتفرّقوا على ذلك، ولمّا قدم خالد البطاح بثّ السرايا وأمرهم بداعية الإسلام وأن يأتوه بكلِّ من لم يُجب، وإن إمتنع أن يقتلوه، وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يأذّنوا ويقيموا إذا نزلوا منزلاً فإن أذن القوم وأقاموا فكفّوا عنهم، وإن لم يفعلوا فلا شيء إلاّ الغارة ثمّ تقتلوا كلّ قتلة الحرق فما سواه، وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم فإن أقرّوا بالزكاة فاقبلوا منهم وإن أبوها فلا شيء إلاّ الغارة، ولا كلمة، فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع من عاصم وعبيد وعرين وجعفر فاختلفت السيرة فيهم، وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنَّهم قد أذَّنوا وأقاموا و صلّوا، فلمّا اختلفوا فيهم أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء وجعلت تزداد برداً، فأمر خالد مناديا فنادى: أدفئوا أسراكم وكانت في لغة كنانة القتل فظنَّ القوم أنَّه أراد القتل ولم يرد إلاّ الدفء فقتلوهم، فقتل ضرار بن الأزور مالكاً وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم فقال: إذا أراد اَ أمراً أصابه، وتزوّج خالد أمّ تميم امرأة مالك، فقال أبو قتادة: هذا عملك؟ فزبره خالد فغضب ومضى. وفي تاريخ أبي الفداء: كان عبد الله بن عمرو أبو قتادة الأنصاري حاضرين فكلّما خالداً في أمره فكره كلامهما. فقال مالك: يا خالد إبعثنا إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم فينا. فقال خالد: لا أقالني الله إن أقتلك وتقدَّم إلى ضرار بن الأزور بضرب عنقه.
فقال عمر لأبي بكر: إنَّ سيف خالد فيه رَهَق وأكثر عليه في ذلك فقال: يا عمر! تأوّل فأخطأ فارفع لسانك عن خالد فإنّي لا أشيم سيفاً سلّه الله على الكافرين.
وفي لفظ الطبري وغيره: إنَّ أبا بكر كان من عهده إلى جيوشه أن إذا غشيتم داراً من دور الناس فسمعتم فيها أذاناً للصلاة فأمسكوا عن أهلها حتّى تسألوهم ما الذي نقموا، وإن لم تسمعوا أذاناً فشنّوا الغارة فاقتلوا وحرِّقوا، وكان ممَّن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي، وقد كان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً أبداً بعدها، وكان يحدِّث أنَّهم لمّا غشّوا لقوم راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح، قال: فقلنا: إنّا المسلمون. فقالوا: ونحن المسلمون، قلنا: فما بال السلاح معكم؟ قالوا لنا: فما بال السلاح معكم؟ قلنا: فإن كنتم كما تقولون؟ فضعوا السلاح. قال: فوضعوها ثمَّ صلّينا وصلّوا، وكان خالد يعتذر في قتله: انَّه قال وهو يراجعه: ما أخال صاحبكم إلاّ وقد كان يقول كذا وكذا. قال: أو ما تعدّه لك صاحباً. ثمَّ قدَّمه فضرب عنقه وعنق أصحابه.
فلمّا بلغ قتلهم عمر بن الخطّاب تكلّم فيه عند أبي بكر فأكثر وقال: عدوّ الله عدا على امريء مسلم فقتله ثمَّ نزا على امرأته، وأقبل خالد بن الوليد قافلاً حتّى دخل المسجد وعليه قباءٌ له عليه صدأ الحديد، معتجراً بعمامة له قد غرز في عمامته أسهماً فلمّا أن دخل المسجد قام إليه عمر فانتزع الأسهم من رأسه فحطَّمها ثمَّ قال: أرئاء؟ قتلت امرءاً مسلماً ثمَّ نزوت على امرأته، والله لأرجمنّك بأحجارك ولا يكلّمه خالد بن الوليد ولا يظنُّ إلاّ أنَّ رأي أبي بكر على مثل رأي عمر فيه، حتّى دخل على أبي بكر فلمّا أن دخل عليه أخبره الخبر واعتذر إليه فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان في حربه تلك. قال فخرج خالد حين رضي عنه أبو بكر، وعمر جالسٌ في المسجد فقال خالد: هلمّ إليَّ يا بن اُمّ شملة؟ قال فعرف عمر أنَّ أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلّمه ودخل بيته.
وقال سويد: كان مالك بن نويرة من أكثر الناس شعراً وإنَّ أهل العسكر أثفوا برؤسهم القدور فما منهم رأس إلاّ وصلت النار إلى بشرته ما خلا مالكاً فإنّ القِدر نضجت وما نضج رأسه من كثرة شعره، وقى الشعر البشَر حرَّها أن يبلغ منه ذلك.
وقال ابن شهاب: إنَّ مالك بن نويرة كان كثير شعر الرأس، فلمّا قتل أمر خالد برأسه فنصب أثفية لقدر فنضج ما فيها قبل أن يخلص النار إلى شؤون رأسه.
وقال عروة: قدم أخو مالك متمِّم بن نويرة ينشد أبا بكر دمه ويطلب إليه في سبيهم فكتب له بردِّ السبي، وألحَّ عليه عمر في خالد أن يعزله، وقال: إنَّ في سيفه رهقاً. فقال: لا يا عمر! لم أكن لأشيم سيفاً سلّه الله على الكافرين.
وروى ثابت في الدلائل: انَّ خالداً رأى امرأة مالك وكانت فائقة في الجمال فقال مالك بعد ذلك لامرأته: قتلتيني. يعني سأُقتل من أجلك (تاريخ الطبري ٣:٢٤١، تاريخ ابن الأثير ٣: ١٤٩، أُسد الغابة ٤: ٢٩٥، تاريخ ابن عساكر ٥: ١٠٥، ١١٢، خزانة الأدب ١: ٢٣٧، تاريخ ابن كثير ٦: ٣٢١، تاريخ الخميس ٢: ٢٣٣، الإصابة ١: ٤١٤ و٣: ٣٥٧).
وقال الزمخشري وابن الأثير وأبو الفدا والزبيدي: إنَّ مالك بن نويرة (رضي الله عنه)قال لامرأته يوم قتله خالد بن الوليد: أقتلتني. أي عرَّضتني بحسنِ وجهكِ للقتل لوجوب الدفع عنكِ، والمحاماة عليك، وكانت جميلة حسناء تزوَّجها خالد بعد قتله فأنكر ذلك عبد الله بن عمر. وقيل فيه:

أفي الحق أنا لم تجفّ دماؤنا وهذا عروساً باليمامة خالدُ؟

(الفائق ٢: ١٥٤، النهاية ٣: ٢٥٧، تاريخ أبي الفدا ١: ١٥٨، تاج العروس ٨: ٧٥).

وفي تاريخ ابن شحنة هامش الكامل ٧ ص ١٦٥: أمر خالد ضراراً بضرب عنق مالك فالتفت مالك إلى زوجته وقال لخالد: هذه التي قتلتني. وكانت في غاية الجمال، فقال خالد: بل قتلك رجوعك عن الإسلام. فقال مالك: أنا مسلم. فقال خالد: يا ضرار! إضرب عنقه فضرب عنقه وفي ذلك يقول أبو نمير السعدي:

ألا قل لحيّ أوطؤا بالسنابكِ تطاول هذا الليل من بَعد مالكِ
قضى خالدٌ بغياً عليه بعرسه وكان له فيها هوى قبل ذلكِ
فأمضى هواه خالدٌ غير عاطف عنان الهوى عنها ولا متمالكِ
وأصبح ذا أهل وأصبح مالك إلى غير أهل هالكاً في الهوالكِ

فلمّا بلغ ذلك أبا بكر وعمر قال عمر لأبي بكر: إنَّ خالداً قد زنى فاجلده. قال أبو بكر: لا، لأنّه تأوّل فأخطأ قال: فإنّه قتل مسلماً فاقتله. قال: لا، إنَّه تأوّل فأخطأ. ثمَّ قال: يا عمر! ما كنت لأغمد سيفاً سلّه الله عليهم، ورثى مالكاً أخوه متمّم بقصائد عديدة. وهذا التفصيل ذكره أبو الفداء أيضاً في تاريخه ١: ١٥٨.
وفي تاريخ الخميس ٢: ٢٣٣: اشتدَّ في ذلك عمر وقال لأبي بكر: ارجم خالداً فإنَّه قد استحلَّ ذلك، فقال أبو بكر: والله لا أفعل، إن كان خالد تأوّل أمراً فأخطأ وفي شرح المواقف: فأشار عمر على أبي بكر بقتل خالد قصاصاً، فقال أبو بكر: لا أغمد سيفاً شهره الله على الكفار. وقال عمر لخالد: لئن وليتُ الأمر لأقيدنك به.
وفي تاريخ ابن عساكر ٥: ١١٢: قال عمر: إنِّي ما عتبت على خالد إلاّ في تقدُّمه وما كان يصنع في المال. وكان خالد إذا صار إليه شيء قسّمه في أهل الغنى ولم يرفع إلى أبي بكر حسابه، وكان فيه تقدّم على أبي بكر يفعل الأشياء التي لا يراها أبو بكر، وأقدم على قتل مالك بن نويرة ونكح امرأته، وصالح أهل اليمامة ونكح ابنة مجاعة بن مرارة، فكره ذلك أبو بكر، وعرض الديّة على متمّم بن نويرة وأمر خالداً بطلاق امرأة مالك ولم ير أن يعزله وكان عمر ينكر هذا وشبهه على خالد.
] نظرة في القضية[ قال الأميني: يحقُّ على الباحث أن يمعن النظرة في القضيَّة من ناحيتين. الأولى: ما ارتكبه خالد بن الوليد من الطامّات والجرائم الكبيرة التي تُنزَّه عنها ساحة كلِّ معتنق بالاسلام، وتضادُّ نداء القرآن الكريم والسنَّة الشريفة، ويتبرَّأ منها وممَّن اقترفها مَن آمن بالله ورسوله واليوم الآخر. (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى)؟ (سورة القيامة آية: ٣٦).
(أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ)؟ (سورة البلد آية: ٥). (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ)؟ (سورة العنكبوت آية: ٤).
بأيِّ كتاب أم بأيَّة سنَّة ساغ للرجل سفك تلكم الدماء الزكيَّة من الذين آمنوا بالله ورسوله واتَّبعوا سبيل الحقِّ وصدَّقوا بالحسنى، وأذَّنوا وأقاموا وصلّوا وقد علت عقيرتهم: بأنّا مسلمون، فما بال السلاح معكم؟ (لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَة مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (سورة آل عمران آية: ١٨٨).
ما عذر الرَّجل في قتل مثل مالك الذي عاشر النبيَّ الأعظم، وأحسن صحبته، واستعمله (صلى الله عليه وآله وسلم) على صدقات قومه، وقد عُدَّ من أشراف الجاهليَّة والإسلام، ومن أرداف الملوك. (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (سورة المائدة آية: ٣٢). (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا) (النساء: ٩٣).
وماذا أحلَّ للرجل شنَّ الغارة على أهل أولئك المقتولين وذويهم الأبرياء وإيذائهم وسبيهم بغير ما اكتسبوا إثماً، أو اقترفوا سيِّئة، أو ظهر منهم فساد في الملأ الدينيّ؟ (الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) (سورة الأحزاب آية: ٥٨).
ما هذه القسوة والعنف والفظاظة والتزحزح عن طقوس الإسلام، وتعذيب رؤوس أمَّة مسلمة، وجعلها أثفيةً للقِدر وإحراقها بالنار؟ فويل للقاسية قلوبهم، فويلٌ للذين ظلموا من عذاب يوم أليم.
ما خالد وما خطره بعد ما اتَّخذ إلهه هواه، وسوَّلت له نفسه، وأضلّته شهوته، وأسكره شبقه؟ فهتك حرمات الله، وشوَّه سمعة الإسلام المقدَّس، ونزى على زوجة مالك قتيل غيِّه في ليلته (الصواعق ص ٢١، تاريخ الخميس ٢: ٣٣٣) أنَّه كان فاحشةً ومقتاً وساء سبيلا، ولم يكن قتل الرجل إلاّ لذلك السفاح، وكان أمراً مشهوداً وسرّ غير مستسرّ، وكان يعلمه نفس مالك ويخبر زوجته بذلك قبل وقوع الواقعة بقوله إيّاها: أقتلتني. فقتل الرجل مظلوماً غيرةً و محاماةً على ناموسه. وفي المتواتر: من قتل دون أهله فهو شهيدٌ (مسند أحمد ١ ص ١٩١، نص على تواتره المناوي في الفيض القدير٦ص ١٩٥). وفي الصحيحة من قتل دون مظلمته فهو شهيدٌ (أخرجه النسائي والضياء المقدسي كما في الجامع الصغير، وصححه السيوطي راجع الفيض القدير ٦ ص ١٩٥).
والعذر المفتعل من منع مالك الزكاة لا يُبرِّئ خالداً من تلكم الجنايات، أيصدَّق جحد الرجل فرض الزكاة ومكابرته عليها وهو مؤمنٌ بالله وكتابه ورسوله ومصدِّقٌ بما جاء به نبيُّه الأقدس، يقيم الصَّلاة ويأتي بالفرائض بأذانها وإقامتها، وينادي بأعلى صوته: نحن المسلمون، وقد استعمله النبيُّ الأعظم على الصدقات ردحاً من الزمن؟ لا ها الله.
أيوجب الردَّة مجرَّد امتناع الرجل المسلم الموحِّد المؤمن بالله وكتابه عن أداء الزكاة لهذا الإنسان بخصوصه وهو غير منكر أصل الفريضة؟ أو يُحكم عليه بالقتل عندئذ؟ وقد صحَّ عن المشرِّع الأعظم قوله: لا يحلُّ دم رجل يشهد أن لا إله إلاّ الله، وإنّي رسول الله إلاّ باحدى ثلاثة: النفس بالنفس، والثيِّب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة (صحيح البخاري ١٠: ٦٣، كتاب المحاربين. باب: قول الله تعالى ان النفس بالنفس، صحيح مسلم ٢: ٣٧، الديّات لابن أبي عاصم الضحّاك ص ١٠، سنن أبي داود ٢: ٢١٩، سنن ابن ماجة ٢: ١١٠، مصباح السنّة ٢: ٥٠، مشكاة المصابيح ص ٢٩١).
وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): لا يحلُّ دم امرئ مسلم إلاّ باحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفساً بغير نفس (الديّات لابن أبي عاصم الضحّاك ص ٩، سنن ابن ماجة ٢: ١١٠، سنن البيهقي ٨: ١٩).
وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): اُمرت أن اُقاتل الناس حتّى يقولوا: لا إله إلاّ الله، فإذا قالوها منعوا منِّي دماؤهم وأموالهم، وحسابهم على الله (صحيح مسلم ١: ٣٠، الديّات لابن أبي عاصم الضحّاك ص ١٧، ١٨، سنن ابن ماجة ٢: ٤٥٧، خصائص النسائي ص ٧، سنن البيهقي ٨: ١٩، ١٩٦).
وعهد أبو بكر نفسه لسلمان بقوله: من صلّى الصلوات الخمس فإنَّه يصبح في ذمَّة الله ويمسي في ذمَّة الله تعالى فلا تقتلنَّ أحداً من أهل ذمَّة الله فتخفر الله في ذمَّته فيكبّك الله في النار على وجهك (أخرجه أحمد في الزهد كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٧٠).
أيسلب امتناع الرجل المسلم عن أداء الزكاة حرمة الإسلام عن أهله وماله وذويه ويجعلهم أعدال أولئك الكفرة الفجرة الذين حقَّ على النبيِّ الطاهر شنُّ الغارة عليهم؟ ويحكم عليهم بالسبي والقتل الذريع وغارة ما يملكون، والنزو على تلكم الحرائر المأسورات؟
وأمّا ما مرَّ من الاعتذار بانَّ خالداً قال: ادفئوا أسراكم وأراد الدفء وكانت في لغة كنانة: القتل. فقتلوهم فخرج خالد وقد فرغوا منهم. فلا يفوه به إلاّ معتوهٌ استأسر هواه عقله، وسفه في مقاله، لِماذا قتل ضرار مالكاً بتلك الكلمة وهو لم يكن من كنانة ولا من أهل لغتها؟ بل هو أسديٌّ من بني ثعلبة، ولم يكن أميره يتكلّم قبل ذلك اليوم بلغة كنانة.
وإن صحَّت المزعمة فلماذا غضب أبو قتادة الأَنصاري على خالد وخالفه وتركه يوم ذاك وهو ينظر إليه من كثب، والحاضر يرى ما لا يراه الغائب؟
ولِماذا اعتذر خالد بانَّ مالكاً قال: ما أخال صاحبكم إلاّ قال كذا وكذا؟ وهذا اعترافٌ منه بانَّه قتله غير أنَّه نحت على الرجل مقالاً، وهو من التعريض الذي لا يجوِّز القتل «بعد تسليم صدوره منه» عند الاُمَّة الإسلامية جمعاء، والحدود تُدرأ بالشبهات.
ولِماذا رآه عمر عدوّاً لله، وقذفه بالقتل والزنا؟ وإن لم يفتل ذلك ذؤابة (مثل يضرب يقال: قتل ذؤابة فلان. أي أزاله عن رأيه) أبي بكر.
ولِماذا هتكه عمر في ملأ من الصحابة بقوله إيّاه: قتلتَ امرءاً مسلماً ثمَّ نزوت على امرأته، والله لأرجمنَّك بأحجارك؟
ولِماذا رأى عمر رَهَقاً في سيف خالد وهو لم يقتل مالكاً وصحبه وإنَّما قتلتهم لغة كنانة؟
ولِماذا سكت خالد عن جوابه؟ وما أخرسه إلاّ عمله، إنَّ الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
ولِماذا صدَّق أبو بكر عمر بن الخطّاب في مقاله ووقيعته على خالد وما أنكر عليه غير أنَّه رآه متأوِّلاً تارةً، ونَحَت له فضيلة اُخرى؟
ولِماذا أمر خالد بالرؤوس فنصبت أثفيةً للقدور، وزاد وصمة على لغة كنانة؟
ولِماذا نزى على امرأة مالك، وسبى أهله، وفرَّق جمعه، وشتَّت شمله، وأباد قومه، ونهب ماله؟ أكلُّ هذه معرَّة لغة كنانة؟
ولِماذا ذكر المؤرّخون انَّ مالكاً قُتل دون أهله محاماتاً عليها؟
ولِماذا أثبت المترجمون ذلك القتل الذريع على خالد دون لغة كنانة، وقالوا في ترجمة ضرار وعبد بن الأزور: إنّه هو الذي أمره خالد بقتل مالك بن نويرة (الاستيعاب ١: ٣٣٨، أُسد الغابة ٣: ٣٩، خزانة الأدب للبغدادي ٢: ٩، الإصابة ٢: ٢٠٩) وقالوا في ترجمة مالك: إنَّه قتله خالد. أو: قتله ضرارٌ صبراً بأمر خالد؟ (الإصابة ٣: ٣٥٧، مرآة الجنان ١: ٦٢) هذه أسؤلة توقف المعتذر موقف السَدِر، ولم يحر جواباً.
ما شأن أبناء السلف وقد غرَّرت بهم سكرة الشبق، وغالتهم داعية الهوى، وجاؤا لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمَّة واولئك هم المعتدون؟ فترى هذا يقتل مثل مالك ويأتي بالطامّات رغبةً في نكاح اُمِّ تميم.
وهذا يقتل سيِّد العترة أمير المؤمنين شهوةً في زواج قطام.
وآخر (هو ضرار بن الأزور زميل خالد بن الوليد وشاكلته في النزو على الحرائر) شنَّ الغارة على حيّ من بني أسد فأخذ امرأة جميلة فوطئها بهبة من أصحابه، ثمَّ ذكر ذلك لخالد فقال: قد طيَّبتها لك «كأنَّ تلكم الجنود كانت مجنَّدة لوطىء النساء وفضِّ ناموس الحرائر» فكتب إلى عمر فأجاب برضخه بالحجارة (تاريخ ابن عساكر ٧: ٣١، خزانة الادب ٢: ٨، الإصابة ٢: ٢٠٩).
وهذا يزيد بن معاوية يدسُّ إلى زوجة ريحانة رسول الله الحسن السبط الزكيِّ السمَّ النقيع لتقتلَه ويتزوَّجها (تاريخ ابن عساكر ٤: ٢٢٦) أو فعله معاوية لغاية له كما يأتي.
ووراء هؤلاء المعتدين قومٌ ينزِّه ساحتهم بأعذار مفتعلة كالتأويل والاجتهاد ـ وليتهما لم يكونا ـ وتخطأة لغة كنانة، والله يعلم ما تكنُّ صدورهم وما يعلنون، وإن حكمتَ فاحكم بينهم بالقسط إنَّ الله يحبُّ المقسطين.

نام کتاب : ثم اهتديت (تحقيق وتعليق مركز الأبحاث العقائدية) نویسنده : التيجاني السماوي، محمد    جلد : 1  صفحه : 560
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست