فَمُسِخْتُ جرياً، وبعض هؤلاء الذين معك يمسخون جرياً، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: فبيّن قصّتك وممّن كنت، ومن مُسِخَ معك.
قال: نعم يا أمير المؤمنين، كنّا أربعاً وعشرين طائفة من بني اسرائيل قد تمرّدنا وطغينا واستكبرنا وتركنا المدن لا نسكنها أبداً، وسكنّا المفاوز رغبة منّا في البُعد عن المياه فأتانا آت ـ أنت والله أعرف به منّا ـ في ضحى النهار، فصرخ صرخة فجعلنا في مجمع واحد، وكنّا منبثّين[1] في تلك المفاوز والقفار، فقال لنا: ما لكم هربتم من المدن والأنهار والمياه وسكنتم هذه المفاوز؟
فأردنا أن نقول لأنّا فوق العالم ـ تعزّزاً وتكبّراً ـ فقال: قد علمت ما في أنفسكم، فعلى الله تتعزّزون وتتكبّرون؟ فقلنا له: لا، فقال: أليس قد أخذ عليكم العهد أن تؤمنوا بمحمد بن عبد الله المكّي؟ فقلنا: بلى، قال: وأخذ عليكم العهد بولاية وصيّه وخليفته من بعده أمير المؤمنين [عليّ بن أبي طالب][2]؟
فسكتنا، فلم نجب إلاّ بألسنتنا، وقلوبنا ونيّاتنا لم تقبلها ولا تقرّ بها، فقال: أو تقولون بألسنتكم خاصّة؟ ثمّ صاح بنا صيحة وقال لنا: كونوا باذن الله مسوخاً كلّ طائفة جنساً، ثمّ قال: أيّتها القفار كوني باذن الله أنهاراً تسكنك هذه المسوخ، واتّصلي ببحار الدنيا وبأنهارها حتّى لا يكون ماء إلاّ كانوا فيه.
فمسخنا ونحن أربعة وعشرون طائفة، فمنّا من قال: أيّها المقتدر علينا بقدرة الله تعالى فبحقّه عليك إلاّ ما أغنيتنا عن الماء، واجعلنا[3] على وجه الأرض كيف شئت، قال: قد فعلت، قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا جري فبيّن لنا ما كانت أجناس المسوخ البريّة والبحريّة.