ولا شك انّ الفقر حلية الأولياء وشعار الصالحين، ففيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام: وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل: مرحباً بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلا فقل: ذنب عجّلت عقوبته[2].
ثمّ انظر في قصص الأنبياء وخصائصهم وما كانوا فيه من ضيق العيش، فهذا موسى كليم الله الذي اصطفاه لوحيه وكلامه كان يرى خضرة البقل من صفاق بطنه من هزاله، وما طلب حين آوى إلى الظلّ بقوله: {ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير}[3] إلاّ خبزاً يأكله، لأنّه كان يأكل بقلة الأرض، وروي انّه عليه السلام قال يوماً: ربّ انّي جائع، فقال تعالى: أنا أعلم بجوعك، قال: يا ربّ أطعمني، قال: إلى أن اُريد[4].
وفيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام: الفقير من ليس له مثلي كفيل، والمريض من ليس له مثلي طبيب، والغريب من ليس له مثلي مونس ـ ويُروى حبيب[5] ـ يا موسى ارض بكسرة من شعير تسدّ بها جوعتك، وبخرقة تواري بها عورتك، واصبر على المصائب، وإذا رأيت الدنيا مقبلة عليك فقل: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، عقوبة عجّلت في الدنيا، وإذا رأيت الدنيا مدبرة عنك فقل: مرحباً بشعار الصالحين، يا موسى لا تعجبنّ بما اُوتي فرعون وما متّع به، فإنّما هي زهرة الحياة الدنيا[6].