والمسكنة والخضوع، وإذا فعل العبد ذلك فقد فعل ما عليه من العبوديّة، ولله سبحانه المشيئة في الاستجابة على قدر ما يراه من مصلحة العبد وما يقتضيه العدل والحكمة، لأنّ جوده وكرمه لا يتعدّيان حكمته، فإنّه سبحانه لا يمنع لبخل ولعُدم بل للمصلحة وما تقتضيه الحكمة، لا على سؤال العبد فيما يقترحه ويهواه، ولهذا قال: {لو اتبع الحقّ أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهنّ}[1].
لأنّ الداعي يدعو بما يظنّه انّه مصلحة له، والله يعمل على ما يعلم، كمن دعا الله تعالى أن يعطيه مالا وعلم انّه يطغى به فمنعه اشفاقاً عليه ورحمة له، فسبحان من عطاؤه كرم، ومنعه فضل.
ومن أكثر من الدعاء والذكر والشكر والحمد والثناء على الله أعطاه الله أفضل ما يعطي السائلين، فإنّه تعالى يقول في بعض كتبه: "إذا شغل عبدي ذكري عن مسألته أعطيته أفضل ممّا أعطي السائلين".
وينبغي أن يكون الداعي بلسانه راضياً بقلبه فيما يجري له وعليه ليجمع بين الأمرين: الرجاء والرضا، ولا ينبغي للعبد أن يملّ، والتطويل له أفضل ما لم يتضيّق وقت فريضة.
وفي الخبر انّ الله إذا أحبّ أن يسمع صوت عبده ودعاءه أخّر حاجته[2]، يقول: يا جبرئيل أخّر حاجته فإنّي اُحبّ تضرّعه وسماع صوته، وإذا كره سماع صوت عبده قال: يا جبرئيل عجّل حاجته فإنّي أكره أن أسمع صوته[3].
هذا إذا كان عاصياً، وإنّ العبد ليدعو الله تعالى وهو عليه غضبان فيردّه، ثمّ يدعو فيردّه، ثمّ يدعوه فيقول: أبى عبدي أن يدعو غيري فقد استجبت له[4].