مدحه النبي صلى الله عليه وآله بها مدحاً لم يمدح به أحداً من أصحابه هذا فلم يره[1]؟ فقالت: انّه من حيث بلغ اعتزلنا وكان يأخذ في الفكر والاعتبار.
وروي انّ الله أوحى إلى موسى عليه السلام: من أحب حبيباً آنس به، ومن آنس بحبيب صدّق قوله ورضي فعله، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه، ومن اشتاق إلى حبيب جدّ في السير إليه، يا موسى ذكري للذاكرين، وزيارتي للمشتاقين، وجنّتي للمطيعين، وأنا خاصّة المحبين[2][3].
وروى كعب الأحبار قال: أوحى الله إلى بعض الأنبياء: إن أردت لقائي غداً في حظيرة القدس فكن في الدنيا غريباً محزوناً مستوحشاً كالطير الوحداني الذي يطير في الأرض المقفرة، ويأكل من الأشجار المثمرة، فإذا كان الليل آوى إلى وكره، ولم يكن مع الطير استيحاشاً من الناس واستيناساً بربه[4].
ومن اعتصم بالخلوة وآنس بها فقد اعتصم بالله، ومكابدة العزلة والصبر عليهاأيسر من سوء عاقبة مخالطة الناس، والوحدة طريقة الصدّيقين، وعلامة الافلاس القرب من الناس، ومخالطة الناس فتنة في الدين عظيمة، لأنّ من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راياهم وداهنهم وراقبهم.
ولا يصح مولاة الله ومراقبة الناس ومراياهم، ومن أراد أن يسلم له دينه ويستريح بدنه وقلبه فليعتزل الناس، فإنّ هذا زمان وحشة، والعاقل الناصح لنفسه من اختار الوحدة وآنس بها، ولست أرى عارفاً يستوحش مع الله، وألزموا الوحدة، واستتروا بالجدّ[5]، وامحوا أسماءكم من قلوب الناس تسلمون من