و ثار أبو يكسوم راجعا، قد أصابته بعض الحجارة، فجعل كلما قدم أرضا انقطع منه فيها أرب، حتى إذا انتهى إلى اليمن، و لم يبق منه شيء إلّا اباده، فلما قدمها انصدع صدره، و انشق بطنه، فهلك، و لم يصب من الأشعريين و خثعم أحد.
و لما فزعوا إلى دليلهم ذلك، يسألون عنه، فجعلوا يقولون: يا نفيل، يا نفيل، و قد دخل نفيل الحرم، ففي ذلك يقول نفيل:
ألا ردي جمالك يا ردينا* * * نعمناكم مع الاصباح عينا
فإنك لو رأيت، و لن تريه* * * إلى جنب المحصب ما رأينا
إذا لخشيته و فزعت منه* * * و لم تأسي على ما فات عينا
خشيت اللّه لما رأيت طيرا* * * و قذف حجارة ترمي علينا
و كلهم يسائل عن نفيل* * * كأن علي للحبشان دينا
و قال المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم:
أنت حبست الفيل بالمغمس* * * أهلكت أبا يكسوم و المغلس
كردستهم و أنت غير مكردس* * * تدعسهم و أنت غير مدعس
و قال عبد المطلب، و هو يرتجز و يدعو على الحبشة:
يا رب لا أرجو لهم سواكا* * * يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا* * * إنهم لن يقهروا قواكا
و قال عبد المطلب حين انصرفوا:
منعت الأرض التي حميت* * * من اللئام فلم تخلق لهم دارا
منعت مكة منهم إنني رجل* * * ذو أسرة لم نكن في الحب غدارا
إذ قلت يا صاحب الحبشان إن لنا* * * من دون أن يهدم المعمور أخطارا
فسار في جيشه بالفيل مقتدرا* * * و سرت مستبسلا للموت صبارا
في فتية من قريش ليس ميتهم* * * بمورث حيهم شينا و لا عارا