له: إنا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا فارقوا أقوامهم في دينهم و لم يدخلوا في دينكم، فبعثنا قومهم فيهم ليردهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل، ثم قدما إلى النجاشي هداياه، و كان أحب ما يهدى إليه من مكة الأدم [1]، فلما أدخلوا عليه هداياه قالوا له:
أيها الملك إن فتية منا سفهاء فارقوا دين قومهم، و لم يدخلوا في دينك، و جاءوا بدين مبتدع لا نعرفه، و قد لجئوا الى بلادك، فبعثنا إليك فيهم عشائرهم:
آباؤهم، و أعمامهم، و قومهم لتردهم عليهم، فهم أعلى بهم عينا، فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك لو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم عينا، فإنهم لم يدخلوا في دينك فتمنعهم بذلك، فغضب ثم قال: لا لعمر اللّه لا أردهم عليهم حتى أدعوهم و أكلمهم و أنظر ما أمرهم، قوم لجئوا إلى بلادي و اختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما يقولون رددتهم عليهم، و إن كانوا على غير ذلك منعتهم و لم أخل بينهم و بينهم، و لم أنعمهم عينا.
فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم و لم يكن شيء [أبغض] [2] إلى عمرو بن العاصي و عبد اللّه بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول [102] النجاشي اجتمع القوم فقالوا: ما ذا تقولون؟ فقالوا: و ما ذا نقول، نقول و اللّه ما نعرف، و ما نحن عليه من أمر ديننا، و ما جاء به نبينا كائن في ذلك ما كان، فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي: ما هذا الدين الذي أنتم عليه، فارقتم دين قومكم، و لا تدخلوا في يهودية و لا [3] نصرانية، فما هذا الدين؟ فقال جعفر: أيها الملك كنا قوما على الشرك: نعبد الأوثان، و نأكل الميتة، و نسيء الجوار، و نستحل
[1] الجلد المدبوغ خاصة ما كان لونه أحمرا، و كثرة الاشارات الى «الأدم» في كتب السيرة و تواريخ مكة توحي أنه كانت للمكيين مدابغ، لعلهم كانوا يستفيدون فيها من جلود الأضاحي.