فإنهم أهل الكتاب الأول، و عندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم)، و وصفوا لهم أمره، و أخبروهم ببعض قوله، و قالوا لهم: إنكم أهل التوراة فقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهم أحبار يهود: سلوه عن ثلاث يأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، و إن لم يفعل فالرجل متقول، فروا [1] فيه رأيكم، سلوه عن [94] فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنه كان لهم حديث عجب، و سلوه عن رجل طوّاف قد بلغ مشارق الأرض و مغاربها ما كان بناؤه، و سلوه عن الروح ما هو، فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، و إن لم يخبركم فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.
فأقبل النضر و عقبة حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم و بين محمد، قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور، فأخبروهم بها، فجاءوا رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم) فقالوا: يا محمد أخبرنا، فسألوه عما أمروهم به فقال لهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم): أخبركم عما سألتم عنه غدا، و لم يستثن فانصرفوا عنه، فمكث رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم) خمس عشرة ليلة لا يحدث اللّه تعالى إليه في ذلك وحيا، و لا يأتيه جبريل (عليه السلام) حتى أرجف أهل مكة و قالوا:
وعدنا محمد غدا و اليوم خمس عشرة و قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه، حتى حزن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم) مكث الوحي عنه، و شق عليه ما تكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من اللّه بسورة أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه و خبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، و الرجل الطواف، يقول اللّه تعالى: