الباب الثاني في مصالحته- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- المحاربين و هديته و أمانته و وفائه بالعهد و الذمة لهم
روى أبو داود عن ابن عبّاس- رضي اللّه تعالى عنه- قال: صالح رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) أهل نجران على ألفي حلّة، النصف في صفر، و النّصف في رجب، يردّونهما إلى المسلمين، و عارية ثلاثين درعا، و ثلاثين فرسا، و ثلاثين بعيرا، و ثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها، و المسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم، إن كان باليمن كيد على ألا تهدم لهم بيعة، و لا يخرج لهم قسّ، و لا يفتنوا على دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا [1].
و روى أبو يعلى عن علي بن أبي طالب- رضي اللّه تعالى عنه- قال: شهدت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) صالح نصارى بني تغلب على أن ينصّروا أبناءهم، فإن فعلوا فقد برئت منهم الذمة، و إنهم قد نقضوا، و إنه إن يتم لي الأمر، لأقتلن المقاتلة و لأسبينّ الذّرّيّة
و روى الإمام أحمد و أبو داود عن أبي رافع مولى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) قال: بعثتني قريش إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فلمّا رأيت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) وقع الإسلام في قلبي، فقلت: يا رسول اللّه و اللّه لا أرجع إليهم أبدا، فقال: إني لا أخيس بالعهد و لا أخيس البرد، و لكن ارجع إليهم فإن كان الذي في قلبك الذي فيه الآن فارجع، فذهبت إليهم، ثم أتيت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) فأسلمت [3].
و روى الإمام مالك و الخمسة عن أم هانئ بنت أبي طالب- رضي اللّه تعالى عنها- قالت: ذهبت إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم) عام الفتح فوجدته يغتسل و فاطمة ابنته تستره، فسلّمت عليه فقال: «من هذه؟» فقلت أنا أمّ هانئ بنت أبي طالب، فقال: «مرحبا بأمّ هانئ»، فلمّا فرغ من غسله، قام فصلّى ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فقلت: يا رسول اللّه، زعم ابن أمّي عليّ أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان بن هبيرة فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم): «قد أجرنا من أجرت يا أمّ هانئ»
و روى أبو يعلى بسند جيد عن عائشة- رضي اللّه تعالى عنها- قالت قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلّم): «ذمة المسلمين واحدة، فإن أجارت عليهم امرأة فلا تحقروها، فإن لكل غادر لواء يوم القيامة» [5].