فلما مرّ رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- بوادي عسفان، قال: «يا أبا بكر أي واد هذا؟» قال: «وادي عسفان»، قال: «لقد مرّ به هود، و صالح، على بكرين أحمرين خطمهما ليف، و أزرهم العباء، و أرديتهم النماز يلبون، يحجون البيت العتيق [1].
ذكر مروره- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- بسرف:
قلت: قال ابن سعد: و كان يوم الاثنين بمر الظهران فغربت له الشمس بسرف.
فلما كان- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- بسرف حاضت عائشة و قد كانت أهلت بعمرة، فدخل عليها رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- و هي تبكي، فقال: «ما يبكيك؟ لعلك نفست؟» قالت: نعم، قال: «هذا شيء كتبه اللّه على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت».
و قال- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- لما كان بسرف لأصحابه: «من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، و من كان معه هدي فلا».
قال ابن القيم: و هذا رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات، فلما كان بمكة، أمر أمرا حتما من لم يكن معه هدي أن يجعلها عمرة، و يحل من إحرامه، و من معه هدي أن يقيم على إحرامه، و لم ينسخ ذلك شيء البتة بل
سأله سراقة بن مالك، عن هذه العمرة التي أمرهم بالفسخ إليها هل هي لعامهم ذلك أم للأبد؟ فقال: «بل للأبد، و إن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة».
و قد روى عنه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- الأمر بفسخ الحج إلى العمرة أربعة عشر من الصحابة- رضي اللّه تعالى عنهم- و أحاديثهم صحاح، و سرد أسماءهم، و الدليل على صحة مذهبه في نحو عشر و رقات و سيأتي التحقيق فيه بعد تمام القصة.
ذكر نزوله- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- بذي طوى، و دخوله مكة، و طوافه و سعيه:
ثم نهض رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- إلى أن نزل بذي طوى، و هي المعروفة اليوم بآبار الزاهر، فبات بها ليلة الأحد، لأربع خلون من ذي الحجة، و صلّى بها الصبح، ثم اغتسل من يومه، و نهض إلى مكة من أعلاها من الثنية العليا، التي تشرف على الحجون و كان في العمرة يدخل من أسفلها و في الحج دخل من أعلاها و خرج من أسفلها، ثم سار حتى دخل المسجد ضحى.
و روى الطبراني عن ابن عمر- رضي اللّه تعالى عنهما- قال: «دخل رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)-