استفيد من حديث عائشة: تعيين الوقت الذي وقع فيه بصيام عاشوراء، و هو أول قدومه المدينة، و لا شك أن قدومه كان في ربيع الأول، فحينئذ كان الأمر بذلك في أول السنة الثانية.
و في السنة الثانية فرض شهر رمضان، فعلى هذا لم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة، ثم فوض الأمر بصومه إلى رأي المتطوع.
الخامس:
استشكل بعضهم حديث ابن عباس، بأنه- (صلّى اللّه عليه و سلّم)- إنما قدم المدينة في شهر ربيع الأول، فكيف يقول ابن عباس إنه قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء؟. و أجاب ابن القيّم: بأنه ليس في الحديث أن يوم قدومه وجدهم يصومونه، فإنه قدم يوم الاثنين في ربيع الأول ثاني عشره، و لكن أول علمه بذلك و وقوع القصة في اليوم الذي كان بعد قدومه المدينة و لم يكن و هو بمكة.
قال الحافظ: غايته أن في الكلام حذفا: تقديره قدم (عليه الصلاة و السلام) المدينة، (فأقام إلى يوم عاشوراء) فوجد اليهود صياما (و يحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية).
السادس:
قال في حديث: كان يصوم شعبان إلا قليلا أي: يصوم معظمه.
و نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر، أن يقول: صام الشهر كله، و يقال: قام فلان ليلته أجمع، و لعله قد تعشى فاشتغل ببعض أمره، قال الترمذي: كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك.
و حاصله: أن الرواية الأولى: مفسّرة للثانية، و مخصصة لها، و أن المراد بالكل الأكثر، و هو مجاز قليل الاستعمال، و استبعده الطيبي، و قال: يحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة، و يصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان.
و قال ابن المنير: إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة، و المراد الأكثر، و إما أن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول. فأخبرت عن أول أمره: أنه كان يصوم أكثر شعبان، و أخبرت ثانيا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله.