الباب الثامن و الثمانون في وفود معاوية بن حيدة إليه (صلّى اللّه عليه و سلم)
روى الإمام أحمد، و البيهقي [1] عن معاوية بن حيدة رضي اللّه تعالى عنه قال: أتيت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فلما دفعت إليه قال: «أما إني سألت اللّه عز و جل أن يعينني عليكم بالسّنّة فتحفيكم و بالرّعب أن يجعله في قلوبكم». فقال معاوية بن حيدة بيديه جميعا: أما أنّي خلقت هكذا و هكذا، أي لا أؤمن بك و لا أتّبعك، فما زالت السّنة تحفيني، و ما زال الرّعب يرعب في قلبي حتى وقفت بين يديك فباللّه الذي أرسلك بما ذا بعثك اللّه به عز و جل؟ قال: «بعثني بالإسلام». قال: و ما الإسلام؟ قال: «شهادة ألا إله إلا اللّه، و أن محمدا عبده و رسوله و تقيموا الصلاة و تؤتوا الزكاة، أخوان نصيران، لا يقبل اللّه عز و جل من أحد توبة أشرك بعد إسلامه».
قال: قلت: يا رسول اللّه، ما حقّ زوج أحد منّا عليه؟ قال: «يطعمها إذا طعم و يكسوها إذا اكتسى و لا يضرب الوجه و لا يقبّح و لا تهجر إلا في المبيت». و في رواية: ما تقول: في نسائنا؟ قال: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ[البقرة 223]. قال: فينظر أحدنا إلى عورة أخيه. قال: «لا». قال: فإذا تفرّقا. قال: «فضمّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) إحدى فخذيه على الأخرى، ثم قال: «ههنا تحشرون ههنا تحشرون ههنا تحشرون- ثلاثا- يعني الشام- ركبانا و مشاة و على وجوهكم موفون يوم القيامة سبعين أمّة، أنتم آخر الأمم و أكرمها على اللّه تعالى، و على أفواهكم الفدام، و أول ما يعرب عن أحدكم فخذه».
الفدام: بفاء مكسورة فدال مهملة فألف فميم: ما يشدّ على فم الإبريق و الكوز من خرقة لتصفية الشّراب الذي فيه، و المعنى أنهم يمنعون الكلام بأفواههم حتى تتكلم جوارحهم فشبّه ذلك بالفدام.
[1] أخرجه البيهقي في السنن 7/ 295 و الدلائل 5/ 278 و أحمد في المسند 5/ 3.