جماع أبواب سراياه و بعوثه و بعض فتوحاته (صلّى اللّه عليه و سلم)
الباب الأول في عدد سراياه و بعوثه و معنى السرية و فيه نوعان
الأول: قال ابن إسحاق (رحمه اللّه تعالى): السرايا و البعوث ثمانيا و ثلاثين و ذكرها أبو عمر (رحمه اللّه تعالى) في أول الاستيعاب سبعا و أربعين. و ذكرها محمد بن عمر (رحمه اللّه تعالى) ثمانيا و أربعين و أبو الفضل ستّا و خمسين. و نقل المسعودي عن بعضهم أنها ستون.
و على ذلك جرى الحافظ أبو الفضل العراقي (رحمه اللّه تعالى) في ألفية السيرة، و ذكر فيها أن الإمام الحافظ محمد بن نصر [1] أوصلها إلى السبعين، و أن الإمام الحافظ أبا عبد الله الحاكم (رحمه اللّه تعالى) قال: إنه ذكر في الإكليل أنها فوق المائة. قال العراقي: و لم أجد هذا القول لأحد سواه. قال الحافظ (رحمه اللّه تعالى): لعل الحاكم أراد بضم المغازي إليها.
قلت عبارة الحاكم كما رواها عنه ابن عساكر بعد أن روى عن قتادة أن مغازي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و سراياه كانت ثلاثا و أربعين. قال الحاكم: هكذا كتبناه. و أظنه أراد السرايا دون الغزوات، فقد ذكرت في كتاب الإكليل على الترتيب بعوث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و سراياه زيادة على المائة. قال: «و أخبرني الثقة من أصحابنا ببخارى أنه قرأ في كتاب أبي عبد اللّه محمد بن نصر السرايا و البعوث دون الحروب بنفسه نيفا و سبعين». انتهى.
قال في البداية: و هذا الذي ذكره الحاكم غريب جدا، و حمله كلام قتادة على ما قال، فيه نظر فقد روى الإمام أحمد [عن أزهر بن القاسم الراسبي عن هشام الدستوائي] عن قتادة أن مغازي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و سراياه ثلاث و أربعون: أربعة و عشرون بعثا و تسع عشرة غزوة.
قلت و الذي وقفت عليه من السرايا و البعوث لغير الزكاة يزيد على السبعين كما سيأتي بيان ذلك مفصلا إن شاء اللّه تعالى.
[1] محمد بن نصر المروزي، أبو عبد اللّه: إمام في الفقه و الحديث. كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة فمن بعدهم في الأحكام. ولد ببغداد. و نشأ بنيسابور، و رحل رحلة طويلة استوطن بعدها. سمرقند و توفي بها. له كتب كثيرة، منها «القسامة» في الفقه، قال أبو بكر الصيرفي: لو لم يكن له غيره لكان من أفقه الناس، «و المسند» في الحديث، و كتاب «ما خالف به أبو حنيفة عليا و ابن مسعود». الأعلام 7/ 125.