الباب الثامن و الستون في بعثه (صلّى اللّه عليه و سلم) أبا موسى الأشعري و معاذ بن جبل رضي اللَّه تعالى عنهما قبل حجة الوداع إلى اليمن.
روى البخاري من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى الأشعري، و من طريق طارق بن شهاب كلاهما عن أبي موسى، و من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي بردة مرسلا.
قال أبو موسى: أقبلت إلى رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و معي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني و الآخرة عن شمالي كلاهما يسأل العمل و النبي (صلّى اللّه عليه و سلم) يستاك، فقال: «ما تقول يا أبا موسى؟ أو قال: «يا عبد اللَّه بن قيس؟» قال: فقلت: و الذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في نفسيهما و ما شعرت أنهما يطلبان العمل. قال: فكأني انظر إلى سواكه تحت شفتيه و قد قلصت. قال: «لن يستعمل على عملنا من يريده و لكن اذهب أنت يا أبا موسى، أو قال: يا عبد اللَّه بن قيس». قال أبو موسى: فبعثني رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) و معاذا إلى اليمن. قال أبو بردة: بعث كل منهما على مخلافه. قال: و اليمن مخلافان، و كانت جهة معاذ العليا و جهة أبي موسى السفلى. قال أبو موسى: فقال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم): «ادعوا الناس و بشّرا و لا تنفّرا و يسّرا و لا تعسّرا و تطاوعا و لا تختلفا». قال أبو موسى: يا رسول اللَّه أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن، قال: البتع و هو من العسل ينبذ ثم يشتد، و المزر و هو من الذرة و الشعير ينبذ ثم يشتد. قال: و كان رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) قد اعطي جوامع الكلم و خواتمه. قال: «أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة». و في رواية:
قال: فقدمنا اليمن و كان لكل واحد منّا قبّة نزلها على حدة. قال أبو بردة. فانطلق كل واحد منهما إلى عمله، و كان كل واحد منهما إذا سار في أرضه، و كان قريبا من صاحبه أحدث به عهدا فسلّم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبا من صاحبه أبي موسى فجاء يسير على بغلته حتى انتهى إليه فإذا هو جالس و قد اجتمع إليه الناس و إذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى عنقه فقال له معاذ: يا عبد اللَّه بن قيس أيّم هذا؟ قال: هذا يهودي كفر بعد إسلامه، أنزل و ألق له و سادة فقال: لا أنزل حتى يقتل فأمر به فقتل. قال: إنما جيء به لذلك فانزل. قال: ما أنزل حتى يقتل، ثم نزل. فقال: يا عبد اللَّه كيف تقرأ القرآن؟ قال: «أتفوّقه تفوّقا. قال فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنا أوّل الليل فأقوم و قد قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب اللَّه لى فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي».