الباب التاسع و الخمسون في سرية عيينة بن حصن الفزاري رضي اللَّه تعالى عنه إلى بني تميم في المحرم سنة تسع و كانوا فيما بين السقيا و أرض بني تميم.
و سبب ذلك أن رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) بعث رجلا من بني سعد هذيم على صدقاتهم و أمره رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) أن يأخذ العفو و يتوقّى كرائم أموالهم. فخرج بشر بن سفيان الكعبي إلى بني كعب، فأمر بجمع مواشي خزاعة ليأخذ منها الصدقة، فحشرت عليهم خزاعة الصدقة في كل ناحية فاستكثرت ذلك بنو تميم فقالوا: ما لهذا يأخذ أموالكم منكم بالباطل؟ فشهروا السيوف.
فقال الخزاعيون: نحن قوم ندين بدين الإسلام و هذا أمر ديننا. فقال التميميون: لا يصل إلى بعير منها أبدا. فهرب المصدّق و قدم على رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فأخبره الخبر، فوثبت خزاعة على التميميين فأخرجوهم من محالهم و قالوا: لو لا قرابتكم ما وصلتم إلى بلادكم، ليدخلنّ علينا بلاء من محمد (صلّى اللّه عليه و سلم) حيث تعرّضتم لرسوله تردّونه عن صدقات أموالنا فخرجوا راجعين إلى بلادهم.
فقال (صلّى اللّه عليه و سلم): «من لهؤلاء القوم؟»
فانتدب أول الناس عيينة بن حصن الفزاري فبعثه رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مهاجري و لا أنصاري فكان يسير الليل و يكمن النهار فهجم عليهم في صحراء قد حلّوا [بها] و سرحوا مواشيهم. فلما رأوا الجمع دلّوا. فأخذ منهم أحد عشر رجلا و وجد في المحلّة إحدى و عشرين امرأة كذا في العيون. و قال محمد بن عمر و ابن سعد و تبعهما في الإشارة و المورد إحدى عشرة امرأة و ثلاثين صبيا. فجلبهم إلى المدينة فأمر بهم رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و سلم) فحبسوا في دار رملة بنت الحارث. فقدم فيهم عدّة من رؤسائهم كما سيأتي في الوفود في وفد بني تميم.
تنبيه: في بيان غريب ما سبق:
هذيم: بضم الهاء و فتح الذال المعجمة و سكون التحتية.
يأخذ العفو: ما فضل عن النفقة.
كرائم أموالهم: نفائسها و خيارها.
خزاعة: أبو حيّ من الأزد سمّوا به لأنهم تخزّعوا أي تقطّعوا عن قومهم و أقاموا بمكة.
الحشر: الجمع مع سوق، و المراد هنا أنهم جمعوا ماشيتهم لتؤخذ منها الزكاة.
شهروا السيوف: أخرجوها من أغمادها.
المحلّة: بفتح الميم و الحاء المهملة و تشديد اللام المفتوحة.
حبسوا: بالبناء للمفعول.
رملة بنت الحارث بلفظ واحدة الرّمل: صحابية رضي اللَّه تعالى عنها.