السّلاح من قبل جبل التّنعيم يريدون غرّة رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- فدعا عليهم، فأخذوا فعفا عنهم [1].
و روى عبد بن حميد، و ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ رجلا من أصحاب رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- يقال له ابن زنيم اطلع الثنية «يوم الحديبية» فرماه المشركون فقتلوه، فبعث نبيّ اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- خيلا، فأتوا باثني عشر فارسا، فقال لهم رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- «هل لكم عهد أو ذمّة»؟ قالوا: لا. فأرسلهم
و روى الإمام أحمد، و عبد بن حميد، و مسلم، عن سلمة بن الأكوع. رضي اللّه عنه قال: إنّ المشركين من أهل مكة أرسلونا في الصّلح فلما اصطلحنا و اختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فاضطجعت في ظلّها، فأتاني أربعة من مشركي أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- فأبغضهم و تحوّلت إلى شجرة أخرى، فعلّقوا سلاحهم و اضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي يا للمهاجرين، قتل ابن زنيم فاخترطتّ سيفي فاشتددت على أولئك الأربعة و هم رقود، فأخذت سلاحهم، و جعلته في يدي، ثم قلت: و الّذي كرّم وجه محمّد- (صلّى اللّه عليه و سلم)- لا يرفع أحد منكم رأسه إلّا ضربت الّذي في عينيه، ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- و جاء عمّي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز من المشركين يقوده حتّى وقفناه على رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- فقال: دعوهم يكون لهم بدء الفجور و ثنياه فعفا عنهم رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- و أنزل اللّه تعالى: وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح 24] فبينما النّاس على ذلك إذ أبو جندل- بالجيم و النّون وزن جعفر- بن سهيل ابن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكّة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، و كان أبوه سهيل قد أوثقه في الحديد و سجنه، فخرج من السّجن و اجتنب الطّريق و ركب الجبال حتّى أتى «الحديبية- فقام إليه المسلمون يرحّبون به و يهنّئونه، فلما رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه بغصن شوك و أخذ بتلبيبه
ثم قال: «يا محمد، هذا أوّل ما أقاضيك عليه أن تردّه، فقال رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- «إنّا لم نقض الكتاب بعد» قال فو اللّه إذا لا أصالحك على شيء أبدا. قال: «فأجزه لي» قال: ما أنا بمجيزه لك. قال: «بلى فافعل». قال:
ما أنا بفاعل.
فقال مكرز و حويطب: بلى قد أجزناه لك. فأخذاه فأدخلاه فسطاطا فأجازاه و كفّ عنه أبوه. فقال أبو جندل أي معاشر المسلمين أردّ إلى المشركين و قد جئت مسلما؟ ألا
[1] أخرجه مسلم 3/ 1442 (133/ 1808)، و أحمد 3/ 124 و الغرة هي الغفلة أي يريدون أن يصادفوا منه و من أصحابه غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم و الفتك بهم.
[2] أخرجه الطبري 26/ 59 و ذكره السيوطي في الدر المنثور 6/ 76.