الباب الحادي و العشرون في غزوة بني لحيان بني هذيل بن مدركة بناحية عسفان
وجد رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- على عاصم بن ثابت، و خبيب بن عديّ و أصحابهما المقتولين بالرّجيع الآتي ذكره في السّرايا و البعوث. وجدا شديدا، فأظهر أنه يريد الشّام، ليصيب من القوم غرّة، فعسكر من ناحية الجرف، و خرج في مائتي رجل، و معهم عشرون فرسا.
قال محمد بن عمر، و ابن سعد، و ابن هشام: و استخلف على المدينة ابن أم مكتوم.
فخرج من المدينة فسلك على غراب ثم على محيص ثم على البتراء، ثم صفّق ذات اليسار، فخرج على يين ثم على صخيرات الثمام، ثم استقام به الطريق على السّيالة، فأغذّ السّير سريعا حتى نزل بطن غران و بينها و بين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحابه فترحّم عليهم، و دعا لهم فسمعت به بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال فلم يقدر منهم على أحد، فأقام يوما أو يومين، فبعث السرايا في كل ناحية، فلم يقدروا على أحد.
فلمّا أخطأه من غرّتهم ما أراد، قال: «لو أنّا هبطنا عسفان لرأى أهل مكّة أنّا قد جئنا مكّة»
فهبط في أصحابه حتى نزلوا عسفان. قال ابن إسحاق: ثم بعث فارسين، و قال ابن عمر، و ابن سعد: بعث أبا بكر- رضي اللّه عنه- في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم، فأتوا كراع الغميم، ثم رجعوا و لم يلقوا أحدا و راح رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- قافلا
قال جابر فيما رواه ابن سعد: سمعت رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- يقول حين رجع: «آئبون تائبون- إن شاء اللّه تعالى- لربّنا حامدون»
و في رواية «لربّنا عابدون، أعوذ باللّه من وعثاء السّفر، و كآبة المنقلب، و سوء المنظر في الأهل و المال» [1]. زاد محمد بن عمر: «اللّهم بلّغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير مغفرتك و رضوانك»
قالوا: و هذا أول ما قال هذا الدّعاء.
و غاب (صلّى اللّه عليه و سلم) عن المدينة أربع عشرة ليلة، و قال كعب بن مالك- رضي اللّه عنه- في هذه الغزوة:
لو أنّ بني لحيان كانوا تناظروا* * * لقوا عصبا في دارهم ذات مصدق