يدريك يا عمر أن اللّه عز و جل اطّلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال: «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» فاغرورقت عينا عمر، و قال: اللّه و رسوله أعلم، حين سمعه يقول في أهل بدر ما قال.
و أنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أي كفار مكة أَوْلِياءَ تُلْقُونَ توصلون إِلَيْهِمْ قصد النبي غزوه الذي أسره إليكم- و روي بخبر بِالْمَوَدَّةِ بينكم و بينهم وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ دين الإسلام و القرآن يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيَّاكُمْ من مكة بتضييقهم عليكم لأجل أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً للجهاد فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي و جواب الشّرط دلّ عليه ما قبله: أي فلا تتخذوهم أولياء تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أي إسرار خبر النبي إليهم فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أخطأ طريق الهدى، و السواء في الأصل: الوسط إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يظفروا بكم يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ بالقتل و الضرب وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ بالسّب، و الشتم وَ وَدُّوا تمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ. لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ قراباتكم وَ لا أَوْلادُكُمْ المشركون، الذين لأجلهم أسررتم الخبر من العذاب في الآخرة يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بالبناء للمفعول و الفاعل بَيْنَكُمْ و بينهم فتكونون في الجنة، و هم في جملة الكفّار في النار وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الممتحنة 1: 3].
ذكر إجماع رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- المسير الى مكة
قال ابن عقبة، و ابن إسحاق، و محمد بن عمر، و غيرهم: لمّا أراد رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- المسير إلى مكّة، بعث أبا قتادة بن ربعي إلى بطن إضم، ليظنّ الظّانّ أن رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- توجّه إلى تلك الناحية، و أن لا تذهب بذلك الأخبار و أبان رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم)- المسير إلى قريش، و أرسل إلى أهل البادية، و من حولهم من المسلمين، يقول لهم «من كان يؤمن باللّه و باليوم الاخر فليحضر رمضان بالمدينة» و بعث رسلا في كل ناحية حتى قدموا على رسول اللّه- (صلّى اللّه عليه و سلم).
و قال حسّان بن ثابت- رضي اللّه عنه تعالى- يحرّض الناس و يذكر مصاب رجال خزاعة:
عناني و لم أشهد ببطحاء مكّة* * * رجال بني كعب تحزّ رقابها
بأيدي رجال لم يسلّوا سيوفهم* * * و قتلى كثير لم تجنّ ثيابها
ألا ليت شعري هل تنالنّ نصرتي* * * سهيل بن عمرو حرّها و عقابها
فلا تأمننها يا ابن أمّ مجالد* * * إذا احتلبت صرفا و أعصل نابها